للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها (٢٤) يَضُرُّ بالمسلمينَ، فعليه الضَّمانُ؛ لذلك (٢٥). وإن حَفَرَ في مَوْضعٍ لا ضَرَرَ فيه، نَظَرْنا؛ فإن حَفَرَها لنَفْسِه، ضَمِنَ ما تَلِفَ بها، سواءٌ حَفَرَها بإذْنِ الإِمامِ أو غيرِ إذْنِه. وقال أصحابُ الشافعىِّ: إن حَفَرَها بإذْنِ الإِمامِ، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّ للإِمامِ أن يَأْذَنَ في الانْتِفاعِ بما لا ضَرَرَ فيه، بدَليلِ أنَّه يجوزُ أن يَأْذَنَ في القُعُودِ فيه، ويُقْطِعَه لمن يَبِيعُ فيه. ولَنا، أنَّه تَلِفَ بحَفْرٍ حَفَرَه في حَقٍّ مُشْتَركٍ، بغيرِ إذْنِ أهْلِه، لغيرِ مَصْلَحَتِهِم، فضَمِنَ، كما لو لم يَأْذَنْ له الإِمامُ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ للإِمامِ أن يَأْذَنَ في هذا، وإنَّما يَأْذَنُ في القُعُودِ؛ لأنَّ ذلك لا يَدُومُ، وتُمْكِنُ إزالَتُه في الحالِ، فأشْبَهَ القُعُودَ في المَسْجِدِ، ولأنَّ القُعُودَ جائزٌ من غيرِ إذْنِ الإِمامِ، بخلافِ الحَفْرِ. [وإنْ حَفَرَ] (٢٦) البئرَ لِنَفْعِ المسلمينَ، مثل أن يَحْفِرَه ليَنْزِلَ فيه ماءُ المَطَرِ من الطريقِ، أو لتَشْرَبَ منه المارَّةُ، ونحوها (٢٧)، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه مُحْسِنٌ بفِعْلِه، غيرُ مُتَعَدٍّ بحَفْرِه، فأشْبَهَ باسِطَ الحَصِيرِ في المَسْجِدِ. وذكَرَ بعضُ أصحابِنا أنَّه لا يَضْمَنُ إذا كان بإذْنِ الإِمامِ، وإن كان بغيرِ إذْنِه، ففيه رِوَايتَان؛ إحداهما، لا يَضْمَنُ، فإنَّ أحمدَ قال، في روايةِ إسحاقَ بن إبراهيمَ: إذا أحْدَثَ بئرًا لماءِ المَطرَ، ففيه نَفْعٌ للمسلمينَ، أرْجُو أن لا يَضْمَنَ. والثانية، يَضْمَنُ. أَوْمَأَ إليه أحمدُ؛ لأنَّه افْتَأتَ على الإِمامِ. ولم يَذْكُرِ القاضي سِوَى هذه الرِّوايةِ، والصحيحُ هو الأوَّلُ؛ لأنَّ هذا ممَّا تَدْعُو الحاجةُ إليه، ويَشُقُّ اسْتِئْذانُ الإِمامِ فيه، وتَعُمُّ البَلْوَى به، ففى وُجُوبِ اسْتِئْذانِ الإِمامِ فيه تَفْوِيتٌ لهذه المصلحةِ العامَّةِ، لأنَّه لا يكادُ يُوجَدُ مَنْ يتَحَمّلُ كُلْفةَ اسْتِئْذانِه وكُلْفةَ الحَفْرِ معًا، فتَضِيعُ هذه المصلحةُ، فوَجَبَ إسْقاطُ اسْتِئْذانِه، كما في سائرِ المصالحِ العامَّةِ، من بَسْطِ حَصِيرٍ في مَسْجِدٍ، أو تَعْلِيقِ قنْدِيلٍ فيه، أو وَضْعِ سِرَاجٍ، أو رَمِّ (٢٨) شَعَثٍ فيه (٢٩). وحُكْمُ البِنَاءِ في الطريقِ، حكمُ الحَفْرِ


(٢٤) في م زيادة: "ما".
(٢٥) في ب، م: "كذلك".
(٢٦) سقط من: م.
(٢٧) في ب: "ونحو هذا".
(٢٨) في م: "رمى".
(٢٩) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>