للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإبْقائِه. وإن مالَ قبلَ وُقُوعِه إلى مِلْكِه، ولم يَتَجاوَزْه، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ بِنائِه مائِلًا في مِلْكِه. وإن مال قبلَ وُقوعِه إلى هواءِ الطريقِ، أو إلى مِلْكِ إنسانٍ، أو مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بينَه وبينَ غيرِه، نَظَرْنا؛ فإن لم يُمْكِنْه نَقْضُه، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه لم يتَعدَّ ببنائِه، ولا فَرَّطَ في تَرْكِ نَقْضِه لعَجْزِه عنه، فأشْبَهَ ما لو سَقَطَ من غيرِ مَيْلٍ. وإنْ أمْكَنَه نَقْضُه فلم يَنْقُضْه، لم يَخْلُ من حالَيْنِ؛ أحدهما، أن يُطالَبَ بنَقْضِه. والثانى، أن لا يُطالَبَ به، فإن لم يُطالَبْ به، لم يَضْمَنْ، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ، وهو ظاهرُ كلامِ الشافعىِّ، ونحوُه قَوْلُ (٤٩) الحسنِ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه بَنَاهُ في مِلْكِه، والميلُ حادِثٌ بغيرِ فِعْلِه، فأشْبَهَ ما لو وقَعَ قبلَ مَيْلِه. وذكَرَ بعضُ أصحابِنا فيه وجْهًا آخَرَ، أنَّ عليه الضَّمانَ. وهو قولُ ابنِ أبي لَيْلَى، وأبى ثَوْرٍ، وإسْحاقَ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بتَرْكِه مائِلًا، فضَمِنَ ما تَلِفَ به، كما لو بَناه مائلًا إلى ذلك ابتداءً، ولأنَّه لو طُولِبَ بنَقْضِه فلم يَفْعَلْ، ضَمِنَ ما تَلِفَ به (٥٠)، ولو لم يكُنْ ذلك (٥١) مُوجِبًا للضَّمانِ، لم يَضْمَنْ بالمُطالَبةِ، كما لو لم يكُنْ مائِلًا، أو كان مائلًا إلى مِلْكِه. وأمَّا إن طُولِبَ بنَقْضِه فلم يَفْعَلْ، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ عن الجوابِ فيها. وقال أصحابُنا: يَضْمَنُ. وقد أوْمأَ إليه أحمدُ. وهو مذهبُ مالكٍ، ونحوَه قال الحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: الاسْتِحْسانُ أن يَضْمَنَ؛ لأنَّ حَقَّ الجوازِ للمسلمينَ، وميلُ الحائِطِ يَمْنَعُهم ذلك، [فكان لهم] (٥٢) المُطالبةُ بإزالَتِه، فإذا لم يُزِلْه ضَمِنَ، كما لو وضَعَ عِدْلًا على حائطِ نَفْسِه، فوَقَعَ في مِلْكِ غيرِه، فطُولِبَ بِرَفْعِه فلم يَفْعَلْ حتى عَثَرَ به إنسانٌ. وفيه وجْهٌ آخرُ، لا ضَمانَ عليه. قال أبو حنيفةَ: وهو القياسُ؛ لأنَّه بَنَاه في مِلْكِه، ولم يَسْقُطْ بفِعْلِه، فأشْبَهَ ما لو لم يُطالِبْه بنَقْضِه، أو سَقَطَ قبلَ مَيْلِه، أو لم يُمْكِنْه نَقْضُه، ولأنَّه لو وجَبَ الضَّمانُ به (٥٠)، لم تُشْتَرَطِ المُطالبةُ به (٥٠)، كما لو بنَاه مائلًا إلى غيرِ مِلْكِه. فإن قُلْنا:


(٤٩) في م: "قال".
(٥٠) سقط من: م.
(٥١) سقط من: الأصل.
(٥٢) في م: "فلهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>