للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْلِمٌ (٢٤). ولِأنَّ ما يَفُوتُه مع الإِمَامِ أفْضلُ ممَّا يَأَتِى به، فلم يَشْتَغِل بهِ، كما لو خافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ في هذه المسأَلَةِ: الحُجَّةُ عندَ التنَّازُعِ السُّنَّةُ، فمَنْ أدْلَى بها فقد فَلَجَ (٢٥)، ومَن اسْتَعْمَلها فقد نَجَا. قال: وقد رَوَتْ عائشةُ، رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج حين أُقِيمَتِ الصلاةُ، فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ، فقال: "أَصَلَاتَانِ مَعًا؟ ". وَرَوَى نحوَ ذلك أَنَسٌ، وعبدُ اللَّه بنُ سَرْجِسَ، وابنُ بُحَيْنَةَ (٢٦)، وأبو هُرَيْرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورَوَاهُنَّ كُلَّهُنَّ ابْنُ عبدِ البَرِّ في كتابِ "التَّمْهِيد" (٢٧). قال: وكُلُّ هذا إنْكَارٌ منه لهذا الفِعْلِ. فأما إنْ أُقِيمَتِ الصلاةُ وهو في النَّافِلَةِ، ولم يَخْشَ فَوَاتَ الجماعةِ، أَتَمَّهَا، ولم يَقْطَعْها؛ لَقوْلِ اللَّه تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (٢٨). وإنْ خَشِىَ فواتَ الجماعةِ، فعلى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُما، يُتِمُّهَا؛ لذلك. والثَّانِيَةُ، يقْطَعُها؛ لأنَّ ما يُدْرِكَهُ مِن الجماعةِ أعْظَمُ أجرًا وأكْثَرُ ثَوَابًا ممَّا يَفُوتُه بِقَطْعِ النَّافِلَةِ، لأنَّ صلاةَ الجماعةِ تَزيدُ على صلاةِ الرَّجُلِ وحْدَه سَبْعًا وعِشْرِينَ درجةً.


(٢٤) في: باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٤٩٣. كما أخرجه البخاري، في: باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (في الترجمة)، من كتاب الأذان. صحيح البخاري ١/ ١٦٨. وأبو داود، في: باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتى الفجر، من كتاب التطوع. سنن أبي داود ١/ ٢٩١. والترمذي، في: باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ٢/ ٢١٣. والنسائي، في: باب ما يكره من الصلاة عند الإِقامة، من كتاب الإمامة. المجتبى ٢/ ٩٠. وابن ماجه، في: باب ما جاء في: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٦٤. والدارمى، في: باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي ١/ ٣٣٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٣٣١، ٣٥٢، ٤٥٥، ٥١٧، ٥٣١.
(٢٥) فلج: ظفر بما طلب. وفلج بحجته: أثبتها.
(٢٦) هو أبو محمد عبد اللَّه بن مالك بن القشيب، كان ناسكا فاضلا، يصوم الدهر، توفي في عمل مروان بن الحكم، ببطن ريم، على ثلاثين ميلا من المدينة، وكانت ولاية مروان على المدينة من سنة أربع وخمسين إلى سنة ثمان وخمسين. تهذيب التهذيب ٥/ ٣٨١، ٣٨٢.
(٢٧) وأخرج الإمام مالك نحوه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، في: باب ما جاء في ركعتى الوتر، من كتاب صلاة الليل. الموطأ ٢/ ٢١٥.
(٢٨) سورة محمد ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>