للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَليظٌ قَوِيٌّ. والكلامُ في هذهِ (١) المسألة في فَصْلين؛ أحدهما، في أصلِ وُجوبِ الضَّمانِ. والثاني، في قدْرِه:

أما الأوَّلُ، فإنَّ الضَّمانَ إنَّما يجبُ بوَطْءِ الصغيرةِ أو النَّحيفةِ التي لا تَحْتَمِلُ (٢) الوَطْءَ، دُونَ الكبيرةِ المُحْتَمِلةِ له. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافعيُّ: يجبُ الضَّمانُ في الجميعِ؛ لأنَّه جِنايةٌ، فيجب الضَّمانُ به، كما لو كان في أجْنَبِيَّةٍ. ولَنا، أنَّه وَطءٌ مُسْتَحَقٌّ، فلم يجبْ ضَمانُ ما تَلِفَ به كالبَكارةِ، ولأنَّه فِعْلٌ مَأْذونٌ فيه ممَّن يصحُّ إذْنُه، فلم يُضْمَنْ ما تَلِفَ بسِرَايتِه، كما لو أذِنَتْ في مُداواتِها بما يُفْضِي إلى ذلك، وكقَطْعِ السارقِ، أو اسْتيفاءِ القِصاص، وعَكْسُه الصغيرةُ والمُكْرَهةُ على الزِّنَى. إذا ثبت هذا، فإنَّه يَلْزَمُه المهرُ المُسَمَّى في النِّكاحِ، مع أرْشِ الجناية، ويكونُ أرْشُ الجنايةِ في مالِه، إنْ كانَ عمدًا مَحْضًا، وهو أن يعْلمَ أنَّها لا تُطِيقُه، وأنَّ وَطْأَه يُفْضِيها. فأمَّا إنْ لم يَعْلَمْ ذلك، وكان ممَّا يَحْتَمِلُ أنْ لا يُفضِىَ إليه، فهو عمْدُ الخَطَإِ، فيكونُ على عاقلتِه، إلَّا على قولِ مَن قال: إنَّ العاقلةَ لا تَحْمِلُ عَمْدَ الخطإِ، فإنَّه يكونُ في مالِه.

الفصلُ الثَّانِي: فِي قدْرِ الواجبِ، وهو ثُلْثُ الدِّيَة. وبهذا قال قَتادةُ، وأبو حنيفةَ. وقال الشَّافعيُّ: تجبُ الدِّيَةُ كاملةً. ورُوى ذلك عن عمرَ بنِ عبد العزيز؛ لأنَّه أتْلَفَ مَنْفعةَ الوَطْءِ، فلزِمَتْه الدِّيَةُ، كما لو قَطَعَ إسْكَتَيْها. ولَنا، ما رُوِيَ عن عمرَ بن الخطَّاب، رَضِيَ اللَّه عنه، أنَّه قضَى في الإِفْضاءِ بثُلثِ الدِّيَةِ (٣). ولم نَعْرفْ له في الصحابةِ مُخالِفًا. ولأنَّ هذه جنايَةٌ (٤) تَخْرِقُ الحاجزَ بين مَسْلَكِ البولِ والذَّكَرِ، فكان موُجَبُها ثُلْثَ الدِّيَةِ، كالجائفةِ. ولا نُسلِّمُ أنَّها تَمْنَعُ الوَطْءَ، وأمَّا قَطْعُ الإِسْكَتَيْنِ، فإنَّما أوْجبَ الدِّيَةَ؛ لأنَّه قطْعُ عُضْوَيْن فيهما نَفْعٌ وجمالٌ، فأشْبَهَ قَطْعَ الشّفتَينِ.


(١) سقط من: الأصل، ب.
(٢) في ب، م: "تحمل".
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب الرجل يستكره المرأة فيفضيها، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ٤١١.
(٤) في م: "الجناية".

<<  <  ج: ص:  >  >>