للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذُكِرَ عن الشافعيِّ أنَّ القَسامةَ لا تبْطُلُ بتكْذيبِ الفاسِقِ؛ لأنَّ قولَه غيرُ مَقْبولٍ. ولَنا، أنَّه مُقِرٌّ على نفسِه بتَبْرئةِ مَن ادَّعَى عليه أخوه، فقُبِلَ، كما لو ادَّعَى دَيْنًا لهما، وإنَّما لا يُقْبَلُ قولُه على غيرِه، فأمَّا على نفسِه، فهو كالعَدْلِ؛ لأنَّه لا يُتَّهَمُ في حقِّها؛ فأمَّا إنْ لم يُكذِّبْه، ولم يُوافِقْه في الدَّعْوَى، مثل إنْ قال أحدُهما: قتَلَه هذا. وقالَ الآخرُ: لا نعلمُ قاتِلَه. فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّ القَسامةَ لا تثْبُتُ؛ لاشْتراطِه ادِّعاءَ الأوْلياءِ على واحدٍ. وهذا قولُ مالكٍ. وكذلك إن كان أحدُ الوَلِيَّيْن غائبًا، فادَّعَى الحاضرُ دُونَ الغائبِ، أو ادَّعَيا جميعًا على واحدٍ، ونَكَلَ أحدُهما عن الأيْمانِ، لم يثْبُتِ القتلُ، في قياسِ قولِ الْخِرَقِيِّ. ومُقتضَى قولِ أبي بكرٍ والقاضِي، ثُبوتُ القَسامةِ. وكذلك مذهبُ الشافعِيِّ؛ لأنَّ أحدَهما لم يُكذِّبِ الآخَرَ، فلم تبْطُلِ القَسامةُ، كما لو كان أحدُ الوارثَيْن امرأةً أو صغيرًا، فعلى قولِهم، يَحْلِفُ المُدَّعِى خمسين يَمِينًا، ويَسْتَحِقُّ نصفَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ الأيْمانَ ههُنا بمنزلةِ البَيِّنَةِ، ولا يثْبُتُ شيءٌ من الحَقِّ إلَّا بعدَ كَمالِ البَيِّنَةِ، فأشْبَهَ ما لو ادَّعَى أحدُهما دَيْنًا لأبيهما، فإِنَّه لا يسْتَحِقُ نَصيبَه من الدَّيْن إلَّا أن يُقِيمَ بَيِّنَةً كاملةً. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ، فيما إذا كان أحدُهما غائبًا، أنَّ الأوَّلَ فيه وَجْهان؛ أحدهما، أنَّه يَحْلِفُ خمسةً (٢٤) وعشرين يَمِينًا، وهذا قولُ ابنِ حامدٍ؛ لأنَّ الأيْمانَ مَقْسومةٌ عليه وعلى أخيهِ، بدليل ما لو كانا حاضِريْن مُتَّفِقَيْنِ في الدَّعْوى، ولا يَحْلِفُ الإِنسانُ عن غيرِه، فلا (٢٥) يَلْزَمُه أكثرُ من حِصَّتِه، فإذا حضرَ الغائبُ أقْسَم خمسةً وعشرين يَمِينًا وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّه يَبْنِي على أيْمانِ أخِيه. وذكرَ أبو بكرٍ والقاضى في نَظِيرِ هذه المسألةِ؛ أنَّ الأوَّل يَحْلِفُ خمسين يَمِينًا، وهل يَحْلِفُ الثاني خمسين أو خمسةً وعشرين؟ على وَجْهَين؛ أحدهما (٢٦)، يَحْلِفُ خمسين؛ لأنَّ أخاه لم يَسْتَحِقَّ إلَّا


(٢٤) جرى سياق المؤلف في الباب كله على قوله: "خمسا وعشرين". وأثبتنا الصواب.
(٢٥) في الأصل: "فلم".
(٢٦) في م زيادة: "يقول".

<<  <  ج: ص:  >  >>