للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسَّبِّ، فهل يُعَزَّرُونَ؟ على وَجْهَين. وقال مالكٌ في الإِباضيَّةِ (٢٠)، وسائرِ أهِل البِدَعِ: يُسْتَتابُون، فإن تابُوا، وإلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهم. قال إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: رأَى مالكٌ قتلَ الخوارجِ وأهلِ القَدَرِ، من أجلِ الفسادِ الدَّاخلِ في الدِّينِ، كقُطَّاعِ الطريقِ، فإن تَابُوا، وإلَّا قُتِلُوا على إفْسادِهِم، [لا على كُفْرِهم] (٢١). وأمَّا مَن رأى تكفيرَهم، فمُقتضَى قولِه، أنَّهم يُسْتَتابون، فإن تابُوا، وإلَّا قُتِلُوا لِكُفْرِهم، كما يُقْتَلُ الْمرْتَدُّ، وحُجَّتُهم قَوْلُ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَأَيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ" (٢٢). وقولهُ عليه السلام: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ، لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" (٢٣). وقولُه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الذي أنْكَرَ عليه، وقال: إنَّها لَقِسْمَةٌ ما أُرِيدَ بها وَجْهُ اللهِ. لأَبي بكرٍ: "اذْهَبْ فَاقْتُلْه". ثم قال لعمرَ مثلَ ذلك (٢٤)، فأمَرَ بِقَتْلِه قَبْلَ قِتَالِهِ. وهو الذي قال: "يَخْرُجُ من ضِئضِئِ (٢٥) هَذَا قَوْمٌ". يَعني الخوارجَ. وقولُ عمرَ لصَبِيغٍ: لو وَجَدْتُك مَحْلُوقًا، لَضَرَبْتُ الذي فيهِ عيناكَ بالسَّيفِ (٢٦). يَعني لقَتَلْتُك. وإنَّما يَقْتُلُه لكَوْنِه من الخَوارجِ؛ فإنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سِيمَاهُمُ التَّسْبِيدُ" (٢٧). يعني حَلْقَ رُءُوسِهِم. واحتجَّ الأوَّلونَ بفعِل عَلِيٍّ، رَضِيَ


(٢٠) الإباضية: أصحاب عبد اللَّه بن إباض، الذي خرج في أيام مروان بن محمد، وهو الذي يقول: إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة، وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم عند الحرب حلال، وما سواه حرام. انظر: الملل والنحل، للشهرستاني ١/ ٢٤٤.
(٢١) سقط من: م.
(٢٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٤٠.
(٢٣) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٢١.
(٢٤) أخرجه البخاري، في: باب بعث علي رضي اللَّه عنه. . ., من كتاب المغازى، وفي: باب تفسير سورة براءة، من كتاب التفسير، وفي: باب قراءة الفاجر، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري ٥/ ٢٠٧، ٦/ ٨٤، ٩/ ١٩٨. ومسلم، في: باب ذكر الخوارج، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ٢/ ٧٤٢، ٧٤٣. وأبو داود، في: باب في قتال الخوارج، من كتاب السنة. سنن أبي داود ٢/ ٥٤٤. والنسائي، في: باب المؤلفة قلوبهم، من كتاب الزكاة، وفي: باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس، من كتاب التحريم، المجتبى ٥/ ٦٥، ٦٦، ٧/ ١٠٨، ١٠٩. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٥٤، ٧٣.
(٢٥) الضئضئ: الأصل، أو كثرة النسل.
(٢٦) أخرجه الدارمي، في: باب من هاب الفتيا والتنطع والتبدع، من المقدمة. سنن الدارمي ١/ ٥٤، ٥٥.
(٢٧) أخرجه البيهقي، في: باب القوم يظهرون رأى الخوارج. . ., من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى ٨/ ١٨٤. وابن أبي شيبة، في: باب ما ذكر في الخوارج، من كتاب الجمل المصنف ١٥/ ٣٢٧، ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>