للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دارِئةً للحَدِّ الذي يَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ في فَرْجِ امرأةٍ، مُجمعٌ على تَحْريمِه، من غيرِ مِلْكٍ ولا شُبْهَةِ مِلْكٍ، والواطِئُ من أهلِ الحَدِّ، عالمٌ بالتَّحْرِيمِ، فلَزِمَه (١١) الحَدُّ، كما لو لم يُوجَدِ العقدُ، وصورةُ المُبِيحِ إنَّما تكونُ شُبْهةً إذا كانتْ صَحِيحَةً، والعَقْدُ ههُنا باطِلٌ مُحَرَّمٌ، وفعلُه جِنايَةٌ تقْتَضِي العُقوبَةَ، انضَمَّتْ إلى الزِّنَى، فلم تكُنْ شُبْهَةً، كما لو أكرهَها، وعاقَبها، ثم زَنَى بها، ثم يَبْطُلُ بالاسْتيلاءِ عليها، فإنَّ الاسْتيلاءَ سببٌ للمِلْكِ (١٢) في المُبَاحَاتِ، وليس بشُبْهَةٍ. وأمَّا إذا اشترَى أختَه من الرَّضاعِ، فلَنا فيه مَنْعٌ، وإن سَلَّمْناهُ، فإنَّ المِلْكَ المُقْتَضِى للإِباحَةِ صَحِيحٌ ثابِتٌ، وإنما تخلَّفَتِ الإِباحَةُ لمُعارِضٍ، بخلافِ مَسْألتِنا؛ فإن الْمُبيحَ غيرُ موجودٍ؛ لأنَّ عقدَ النِّكاحِ باطِلٌ، والملكُ به غيرُ ثابتٍ، فالمُقْتضى معدومٌ، فافْتَرَقا، فأشْبَهَ ما لو اشْتَرَى خمرًا فشَرِبَهُ، أو غُلَامًا فوَطِئَه. إذا ثَبَتَ هذا، فاخْتَلَفَ (١٣) في الحَدِّ، فرُوِى عن أحمدَ أنَّه يُقْتَلُ على كلِّ حالٍ. وبهذا قال جابرُ بنُ زيدٍ، وإسحاقُ، وأبو أيُّوبَ، وابنُ أبي خَيْثَمةَ. وروَى إسماعيلُ بنُ سعيدٍ، عن أحمدَ، في رجلٍ تزوَّجَ امرأةَ أبيهِ، أو بذَاتِ مَحْرَمٍ (١٤)، فقال: يُقْتَلُ ويؤخذُ مالُه إلى بيتِ المالِ. والرِّواية الثانية، حَدُّه حَدُّ الزَّانِى. وبه قال الحسن، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ؛ لعُمومِ الآيةِ والخبرِ. ووَجْهُ الأُولى، ما رَوَى البَرَاءُ. قال: لَقِيتُ عَمِّى ومعه الرَّايةُ، فقلْتُ: إلى أينَ تُرِيدُ؟ فقال: بَعَثَنِى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى رجلٍ نكَحَ امرأةَ أبيه من بَعْدِه، أنْ أضْرِبَ عُنُقَه، وآخُذَ مالَه. رواه أبو داودَ، والجُوزَجَانِىُّ، وابن ماجَه، والتِّرْمِذِيُّ (١٥). وقال: حديثٌ حَسَنٌ. وسَمَّى الجُوزَجَانِيُّ عمَّه الحارثَ بنَ عمرٍو. وروى الجُوزَجَانِيُّ، وابنُ ماجَه، بإسْنادِهما عن


(١١) في م: "فيلزمه".
(١٢) في ب: "لذلك".
(١٣) أي النقل.
(١٤) في ب: "محرمه".
(١٥) تقدم تخريجه، في: ٩/ ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>