للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه: إنَّ اللَّه لم يأْمُرْ بالقيامِ. قُلْنا: ولم يَأْمُرْ بالجلوسِ، ولم يذْكُرِ الكَيْفِيَّةَ، فعَلِمْنَاها من دليلٍ آخرَ، ولا يَصِحُّ قياسُ الرَّجُلِ على المرأةِ في هذا؛ لأنَّ المرأةَ يُقْصَدُ سَتْرُها، ويُخْشَى هَتْكُها. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ الضَّرْبَ يُفَرَّقُ على جميعِ جَسَدِه، ليأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ منه حِصَّتَه، ويُكْثِرُ منه في مَواضِعِ اللَّحْمِ، كالأَلْيَتَيْن والفَخِذَيْن، ويَتَّقى المقَاتِلَ، وهى الرَّأْسُ والوَجْهُ والفَرْجُ، من الرَّجُلِ والمرْأَةِ جميعًا. وقال مالك: يُضْرَبُ الظَّهْرُ، وما يُقَارِبُه. وقال أبو يوسفَ: يُضْرَبُ الرَّأسُ أيضًا؛ لأنَّ عليًّا لم يَسْتَثْنِه. ولَنا، على مالكٍ قولُ عَلِىٍّ، ولأنَّ ما عَدا الأعْضاءَ الثلاثةَ ليس بمَقْتَلٍ، فأشْبَهتِ الظَّهْرَ. وعلى أبى يوسفَ، أنَّ الرأسَ مَقْتَلٌ، فأشْبَهَ الوَجْهَ، ولأنَّه ربَّما ضَرَبَه في رأسِه، فذهبَ بسَمْعِه وبَصَرِه وعَقْلِه، أو قتلَه، والمقصودُ أدَبُه لا قتلَه. وقولُهم: لم يَسْتَثْنِه علىٌّ، ممنوعٌ فقد ذكَرْنا عنه، أنَّه قال: اتَّقِ الرَّأسَ والوَجْهَ، [ولو لم] (٤) يذْكُرْه صريحًا، فقد ذكرَه دلالةً؛ لأنَّه في معنى ما اسْتَثْناه، فيُقاسُ عليه.

المسألة الثانية, أنَّه لا يُمَدُّ، ولا يُرْبَطُ. ولا نَعْلَمُ عنهم في هذا خِلافًا. قال ابنُ مسعود: ليس في دِينِنا مَدٌّ، ولا قَيْدٌ، ولا تَجْرِيدٌ (٥). وجَلَدَ أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-, فلم يُنْقَلْ عن أحدٍ منهم مَدٌّ ولا قيدٌ ولا تَجْريدٌ. ولا تُنْزَعُ عنه ثيابُه، بل يكونُ عليه الثَّوبُ والثَّوْبانِ. وإن كان عليه فَرْوٌ، أو جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ، نُزِعَتْ عنه؛ لأنَّه لو تُرِكَ عليه ذلك لم يُبالِ بالضَّربِ. قال أحمدُ: لو تُرِكَتْ عليه ثِيابُ الشِّتاء ما بَالَى بالضَّرْبِ. وقال مالِكٌ: يُجَرَّدُ؛ لأنَّ الأمرَ بجَلْدِه يقْتَضِى مُباشَرَةَ جسْمِه. ولَنا، قولُ ابن مسعودٍ، ولمْ نعلمْ عن أحدٍ من الصحابةِ خلافَه، واللهُ تعالى لم يأْمُرْ بتَجْريدِهِ، إنَّما أمرَ بجَلْدِه، ومن جُلِد مِن (٦) فوقِ الثَّوْبِ فقد جُلِدَ.

المسألة الثالثة: أنَّ الضَّربَ بالسَّوْطِ. ولا نعلمُ بينَ أهلِ العلمِ خلافًا في هذا، في (٧)


(٤) في ب: "ولم".
(٥) أخرجه البيهقي, في: الباب السابق. السنن الكبرى ٨/ ٣٢٦.
(٦) سقط من: م.
(٧) في ب: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>