للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الحديدَ آلةٌ للقتلِ، بخلافِ العَصَا. وإن ذهبَ مُوَلِّيًا، لم يكُن له قَتْلُه، ولا اتِّبَاعُه، كأهلِ البَغْىِ. وإن ضَرَبَه ضَرْبَةً عَطَّلَتْه، لم يكُن له أن يُثْنِىَ عليه؛ لأنَّه كُفِىَ شَرَّه. وإن ضربَه فَقَطَعَ يمينَه، فَوَلَّى مُدْبِرًا، فضربَه فقطَعَ رِجْلَه، فَقَطْعُ الرِّجْلِ مَضْمُونٌ عليه (٤) بالقِصَاصِ أو الدِّيَةِ؛ لأنَّه في حالٍ لا يجوزُ له ضَرْبُه، وقَطْعُ اليَدِ غيرُ مَضْمونٍ. فإن ماتَ من سِرَايةِ القَطْعِ، فعليه نصفُ الدِّيَةِ، كما لو ماتَ من جِرَاحَةِ اثْنَين. وإن عادَ إليه بعدَ قَطْعِ رِجْلِه، فَقطَعَ يدَه الأُخْرَى، فاليدَان غيرُ مَضْمونتَيْن. وإن ماتَ، فعليه ثُلُثُ الدِّيَةِ، كما لو ماتَ من جِرَاحَةِ ثلاثةِ أنْفُسٍ. وقياسُ (٥) المذهبِ أن يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ الجُرْحَيْنِ قَطْعُ رَجُلٍ واحِدٍ، فكانَ حكمُهما واحدًا، كما لو جَرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا مائةَ جُرْحٍ، وجرحَه آخرُ جُرْحًا واحدًا، وماتَ، كانتْ ديتُه بينهما نِصْفَيْن، ولا تُقْسَمُ الدِّيَةُ على عَدَدِ الجِراحَاتِ، كذا ههُنا. فأمَّا إن لم يُمْكِنْه دَفْعُه إلَّا بالقتلِ، أو خافَ أن يَبْدُرَه بالقتْلِ إن لم يَقْتُلْه، فله ضَرْبُه بما يَقْتُلُه، أو يقْطَعُ طَرَفَه، وما أَتْلَفَ منه فهو هَدْرٌ؛ لأنَّه تَلِفَ لدفعِ شَرِّه، فلم يَضْمَنْه، كالباغِى، ولأنَّه اضْطَرَّ صاحبَ الدارِ إلى قتلِه، فصارَ كالقاتِلِ لنفسِه. وإن قُتِلَ صاحبُ الدَّارِ فهو شهيدٌ؛ لِمَا رَوَى عبد اللَّه بنُ عمرِو بنِ العاصِ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "مَنْ أُرِيدَ مَالُه بِغَيْرَ حَقٍّ، فَقَاتَلَ فَقُتِلَ، فَهُوَ شَهِيدٌ". روَاه الخَلَّال بإسْنادِه (٦). ولأنَّه قُتِلَ لدَفْعِ ظالمٍ، فكانَ شهيدًا، كالعادِلِ إذا قتلَه الْباغِى.


(٤) سقط من: الأصل، ب.
(٥) في ب، م: "فقياس".
(٦) وأخرجه البخاري، في: باب من قاتل دون ماله، من كتاب المظالم والغصب. صحيح البخاري ٣/ ١٧٩. ومسلم، في: باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق. . ., من كتاب الإِيمان. صحيح مسلم ١/ ١٢٥. وأبو داود، في: باب في قتال اللصوص، من كتاب السنة. سنن أبي داود ٢/ ٥٤٦. والترمذي، في: باب ما جاء فيمن قُتِل دون ماله فهو شهيد، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى ٦/ ١٩٠. والنسائي، في: باب من قتل دون ماله، من كتاب تحريم الدم. المجتبى ٧/ ١٠٥، ١٠٦. وابن ماجه، في: باب من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>