للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان المعْضُوضُ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا؛ لأنَّ العَضَّ مُحَرَّمٌ، إلَّا أن يكونَ العَضُّ مُباحًا، مثل أن يُمْسِكَه في موضعٍ يتضَرَّرُ بإمْساكِه، أو يَعَضُّ يدَه، ونحو ذلك ممَّا لا يقدِرُ على التخَلُّصِ من ضَررِه إلَّا بِعَضِّه، فيَعَضُّه، فما سَقَطَ من أسْنانِه ضَمِنَه؛ لأنَّه عَاضٌّ والعَضُّ مُبَاحٌ. وكذلك (٣٦) لو عَضَّ أحدُهما يدَ الآخَرِ، ولم يُمْكِنِ المعْضُوضَ تخليصُ يَدِهِ إلَّا بِعَضِّه، فله عَضُّه، ويَضْمَنُ الظَّالِمُ منهما ما تَلِفَ من المظْلومِ، وما تَلِفَ من الظالِم [كان هَدْرًا] (٣٧). وكذلك الحُكْمُ فيما إذا عَضَّه في غيرِ يَدِه، أو عَمِلَ به عملًا غيرَ العَضِّ أفضَى إلى تَلَفِ شَىْءٍ من الفاعلِ، لم يَضْمَنْه. وقد رَوَى محمدُ بنُ عُبَيْد اللَّه (٣٨): أنَّ غُلامًا أخذَ قِمَعًا من أقْماعِ الزَّيَّاتِينَ، فأدخَلَه بينَ رِجْلَىْ (٣٩) رَجُلٍ، وَنَفَخَ فيه، فذُعِرَ الرَّجُلُ من ذلك، وخَبَطَ بِرِجْلِه، فَوَقَعَ على الغُلامِ، فَكَسَرَ بعضَ أسنانِه، فاخْتَصَمُوا إلى شُرَيْحٍ، فقال شُرَيْحٌ: لا أعْقِلُ الكَلْبَ الهَرَّارَ. قال القاضي: يُخَلِّصُ المعْضُوضُ يدَه بأسْهَلِ ما يُمْكِنُه (٤٠)، فإنْ (٤١) أمْكَنَه فَكُّ لَحْيَيْه بيدِه الأُخْرَى فَعَلَ، وإن لم يُمْكِنْه لَكَمَه في (٤٢) فَكِّه، فإن لم يُمْكِنْه جَذَبَ يَدَه مِن فِيه، فإن لم يَخْلُصْ، فله أن يَعْصِرَ خُصْيَتَيْه، فإن لم يُمْكِنْه، فله أن يَبْعَجَ بَطْنَه، وإن أتَى على نَفْسِه. والصَّحِيحُ أنَّ هذا الترتيبَ غيرُ مُعْتَبَرٍ، وله أن يْجذِبَ يدَه [من فِيهِ] (٤٣) أوَّلًا؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَسْتَفْصِلْ، ولأنَّه لا يَلْزَمُه تَرْكُ يدِه في فَمِ العاضِّ حتى يتحَيَّلَ بهذه الأشْياءِ المذكورة، ولأنَّ جَذْبَ يَدِه مُجَرَّدُ تَخْليصٍ ليَدِه، وما حَصَلَ من سُقوطِ الأسنانِ حَصَلَ ضَرُوةَ التَّخْليصِ الجائزِ، ولَكْمُ فَكِّه جِنَايَةٌ غيرُ التَّخْلِيصِ، وربَّما تضمَّنتِ التَّخْليصَ، وربَّما أتْلَفتِ الأسْنانَ التي


(٣٦) في ب، م: "ولذلك".
(٣٧) في م: "هدر".
(٣٨) في م: "عبد اللَّه".
(٣٩) في م: "فخذى".
(٤٠) في ب، م: "يمكن".
(٤١) في م: "فإنه".
(٤٢) في ب: "على".
(٤٣) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>