للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتْحِها، فإذا فُتِحَتِ القلعةُ عَنْوَةً، سُلِّمَت إليه، إلَّا أنْ تكونَ قد أَسْلَمَت قبلَ الفَتْحِ، فإنَّها عَصَمَت نفْسَها بإسْلامِها، فتَعَذَّرَ دَفْعُها إليه، فتُدْفَعُ إليه قِيمَتُها، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمّا صَالَحَ أهلَ مكَّةَ عامَ الحُدَيْبِيَةِ، على أنَّ مَنْ جاءَه مسلمًا رَدَّه إليهم، فجاءَه (٣٠) نساءٌ مسلماتٌ، مَنَعَه اللهُ مِنْ رَدِّهِنَّ (٣١). ولو كان الجُعْلُ رجلًا من أهلِ القَلْعَةِ، فأَسْلَمَ قبلَ الفَتْحِ، عَصَمَ أيضًا نَفْسَه، ولم يجُزْ دَفْعُه، وكان لصاحبِ الجُعْلِ (٣٢) قِيمَتُه. وإنْ كان إسلامُ الجارَيَةِ أو الرجُلِ بعدَ أسْرِهِم، سُلِّما إليه إنْ كان مُسْلِما، وإنْ كان كافِرًا، فله قيمَتُهُما؛ لأنَّ الكافِرَ لا يبْتَدِئُ المِلْكَ على مسلمٍ. وإنْ ماتا قبلَ الفَتْحِ أو بعدَه، فلا شىءَ له؛ لأنَّه عُلِّقَ حَقُّهُ بشيءٍ مُعَيَّنٍ، وقد تَلِفَ بغيرِ تَفْريطٍ، فسقَطَ حقُّه، كالوديعةِ. وفارَق ما إذا أسْلَما، فإنَّ تسليمَهُما مُمْكِنٌ، لكَنْ مَنَعَ الشرْعُ منه. وإنْ كان الفَتْحُ صُلْحًا، فاستَثْنَى الإِمامُ الجاريةَ والرجُلَ، وسلَّمَهما، صح، وإنْ وقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، طُلِبَ الجُعْلُ من صاحِبِ القَلْعَةِ، وبُذِلَت [له قيمَتُهما] (٣٣)، فإن سُلِّما إلى الإِمامِ، سَلَّمَهُما إلى صاحِبِهما، وإنْ أبَى، عُرِضَ على مُشْتَرِطِهِما قِيمتُهما، فإنْ أخذَها، أُعْطِيها وتمَّ الصلحُ، وإنْ أبَى، فقال القاضي: يُفْسَخُ الصُّلْحُ؛ لأنَّه حقٌّ (٣٤) قد تَعَذَّرَ إمْضاءُ الصُّلْحِ فيه، لأنَّ صاحِبَ الجُعْلِ سابِقٌ، ولا يُمكِنُ (٣٥) الجمعُ بينه وبينَ الصُّلْحِ. ونحوُ هذا مذهبُ الشافِعِىِّ. ولصاحِبِ القَلْعةِ أنْ يُحَصِّنَها مثلَما كانَتْ من غيرِ زيادَةٍ، ويَحْتَمِلُ أن يَمْضِىَ الصُّلْحُ، وتُدْفَعَ إلى صاحِبِ الجُعْلِ قِيمتُه؛ لأنَّه تعذَّرَ دَفْعُه


(٣٠) في الأصل، م: "فجاء".
(٣١) أخرجه البخاري، في: باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، من كتاب الشروط، وفى: باب غزوة الحديبية، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٣/ ٢٤٦، ٢٤٧، ٥/ ١٦١، ١٦٢. وأبو داود، في: باب في صلح العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ٧٧، ٧٨. والبيهقي، في: باب نقض الصلح فيما لا يجوز. . ., من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ٢٢٨. وانظر: الدر المنثور ٦/ ٢٠٥، ٢٠٦.
(٣٢) في أزيادة: "أيضًا".
(٣٣) في الأصل، أ: "لهم قيمتها".
(٣٤) سقط من: الأصل، أ.
(٣٥) في الأصل: "يتمكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>