للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاتِلِ؛ لأنَّ القاطعَ هو الذى كفَى المسلمين شَرَّه. وإنْ قطعَ يدَيْه أو رجلَيْهِ، وقتلَهُ الآخرُ (٢١) فالسَّلَبُ للقاطِعِ، فى أحَدِ الوَجْهَيْن؛ لأنَّه عطَّلَه، فأشْبَه الذى قتلَه، والثانى، سَلَبُه فى الغَنِيمَةِ؛ لأنَّه إنْ كانت رِجْلاه سالِمَتَيْنِ، فإنَّه يعْدُو ويُكْثِرُ، وإن كانت يَداهُ سالِمَتَيْن، فإنَّه يُقاتِلُ بهما، فلم يَكْفِ القاطعُ شرَّه كلَّه، ولا يستحقُّ القاتلُ سَلَبَه؛ لأنَّه مُثْخَنٌ بالجراحِ. وإنْ قَطَعَ يدَه ورِجْلَه من خِلافٍ، فكذلك. وإنْ قطعَ إحْدَى يَدَيْه وإحْدَى رجْلَيْه، ثمّ قَتَلَه آخرُ، فسَلَبُه غَنِيمةٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّه للقاتِلِ؛ لأنَّه قاتِلٌ لمَنْ لم [يكْتَفِ المسلمون] (٢٢) شرَّه. وإنْ عانَقَ رجلٌ رجُلًا، فقَتَلَه آخرُ، فالسَّلَبُ للقاتِلِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال الأوْزَاعِىُّ: هو للمُعانِقِ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ". ولأنَّه كفَى المسلمين شَرَّه، فَأشْبَهَ ما لو لم يُعانِقْه الآخَرُ. وكذلك لو كان الكافِرُ مُقْبِلًا على رجلٍ يقاتِلُه، فجاءَ آخرُ من ورائِه، فضرَبَه فقَتَلَه (٢٣)، فسَلَبُه لقاتِلِه، بدليلِ قَضِيَّةِ (٢٤) قتيلِ أبى قتادةَ. الثالث، أنْ يقتُلَه أو يُثْخِنَه بجِرَاحٍ تجعَلُه فى حُكْمِ المقتولِ. قال أحمد: لا يكونُ السَّلَبُ إلَّا لقاتلٍ (٢٥). وإنْ أسرَ رجلًا، لم يسْتَحِقَّ سَلَبَهُ، سواءٌ قتلَه الإِمامُ أو لم يَقْتُلْه. وقال مَكْحولٌ: لا يكونُ السَّلَبُ إلَّا لِمَنْ أسَرَ عِلْجًا أو قتلَه. وقال القاضى: إذا أسرَ رجُلا، فقَتَلَه الإِمامُ صَبْرًا، فسَلَبُه لمَنْ أسَرَه؛ لأنَّ الأسْرَ أصْعَبُ من القتلِ، فإذا اسْتَحقَّ سَلَبَهُ بالقَتْلِ، كان تَنْبِيهًا على اسْتِحْقاقِه بالأَسْرِ. قال: وإن اسْتَبْقَاه الإِمامُ، كان له فداؤُه، أو رقبتُه وسَلَبُه، لأنَّه كفَى المسلمين شَرَّه. ولَنا، أنَّ المُسْلِمين أسَرُوا أسْرَى يومَ بدْرٍ، فقَتلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُقْبَةَ والنَّضْرَ بن الحارِث، واسْتَبْقَى سائِرَهم (٢٦)، فلم يُعْطِ مَنْ أسَرَهم أسْلابَهم، ولا


(٢١) فى أ: "آخر".
(٢٢) فى الأصل: "يكتف المسلمين". وفى م: "يكف المسلمين".
(٢٣) سقط من: أ.
(٢٤) فى م: "قصة".
(٢٥) فى م: "للقاتل".
(٢٦) انظر ما تقدم، فى صفحة ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>