للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك فتَنْدَمُ. ولا يجوزُ التَّفْرِيقُ بين الأبِ ووَلَدِه. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْىِ، ومذهبُ الشافِعِىِّ. وقال بعضُ أصحابِه: يجوزُ. وهو قولُ مالِك، واللَّيْثِ؛ لأنَّه ليس من أهلِ الْحَضانَةِ بِنَفْسِه، ولأنَّه لا نصَّ فيه، ولا هو فى مَعْنَى المَنْصوصِ عليه، لأنَّ الأُمَّ أشْفَقُ منه. ولَنا، أنَّه أحَدُ الأبَوَيْن، فأشْبَهَ الأُمَّ، ولا نُسَلِّمُ أنّه ليس من أهلِ الْحَضانَةِ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه لا فَرْقَ بينَ كوْنِ الوَلَدِ كبيرًا بالغًا أو طفْلًا. وهذه إحْدَى الرِّوايَتَيْن عن أحمدَ؛ لعُمومِ الخَبَرِ، ولأن الوالِدَةَ تتضَرَّرُ بمُفارَقَةِ ولَدِها الكبيرِ، ولهذا حَرُمَ عليه الجهادُ بدُونِ إذْنِهما. والرِّوايةُ الثانِيَةُ، يَختَصُّ تَحْرِيمُ التَّفْريقِ بالصَّغِيرِ. وهو قولُ أكثر أهل العلمِ؛ منهم سعيد بن عبد (٣) العزيز، ومالِك، والأوْزاعِىُّ، واللَّيْثُ، وأبو ثَوْرٍ. وهو قولُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ سلَمَةَ بن الأكْوَعِ أتَى بامْرأَةٍ وابنَتِها، فنَفَّلَه أبو بكْرٍ ابْنَتَها، فاسْتَوْهَبها منه النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فوَهَبَها له (٤)، ولم يُنْكِرِ التَّفْرِيقَ بينهما. ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهْدِيَتْ إليه مارِيَةُ وأختُها سِيرِينُ، فأَمْسَكَ مارِيَةَ، ووَهَبَ سِيرِينَ لحسَّان بن ثابتٍ (٥). ولأنَّ الأحْرارَ يتفرَّقُون بعدَ الكِبَرِ، فإنَّ المرأَةَ تُزوِّجُ ابنَتَها، فالعَبيدُ أوْلَى. وبما ذَكَرْناه يتَخَصَّصُ عُمومُ حديثِ النَّهْىِ. واختلَفُوا فى حَدِّ الكِبَرِ الذى يُجَوِّزُ (٦) التَّفْرِيقَ، فرُوِىَ عن أحمدَ: يجوزُ التَّفْرِيقُ بينهما إذا بلغ الولدُ. وهو قولُ سعيدِ بن عبد العزيز، وأصْحابِ الرَّأْىِ، وقَوْلٌ للشافِعِىّ (٧). وقال مالكٌ: إذا أثْغَرَ. وقال الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ: إذا اسْتَغْنَى عن أمِّه، ونَفَعَ نَفْسَه. وقال الشافِعِىُّ، فى أحَدِ قوْلَيْه: إذا صارَ ابنَ سبعِ سِنِين أو ثمانِ سِنين. وقال أبو ثَوْرٍ إذا كان يَلْبَسُ وَحْدَه، ويَتَوَضَّأ وحْدَه؛ لأنَّه إذا كان كذلك يَسْتَغْنِى عن أُمِّه، وكذلك خُيِّرَ الغلامُ بين أُمِّه وأبيه إذا صار كذلك. ولأنَّه جازَ التَّفْريقُ بينهما بتَخْيِيرِه، فجازَ بَيْعُه وقِسْمَتُه. ولَنا، ما رُوِىَ عن عُبادَةَ بن الصَّامِتِ، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا". فقيل: إلى مَتَى؟ قال: "حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وتَحِيضَ


(٣) سقط من: ب، م.
(٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ٤٨.
(٥) انظر: سيرة ابن هشام ٣/ ٣٠٦، والإصابة ٧/ ٧٢٢، ٧٢٣.
(٦) فى م زيادة: "معه".
(٧) فى أ، ب، م: "الشافعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>