للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّا أصَبْنا أرضًا كثيرةَ الطَّعامِ والعَلَفِ، وكرِهْتُ أنْ أتقدَّمَ فى شىءٍ من ذلك. فكتَبَ إليه: دَعِ الناسَ يعْلِفُون ويأكُلُون، فمَنْ باعَ منهم شيئًا بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ، ففيه خُمْسُ اللهِ وسِهامُ المسلمين. رواه سعيدٌ (٥). وقد رَوَى عبدُ اللَّه بن مُغَفَّلٍ، قال: دُلِّىَ جِرابٌ من شَحْمٍ يومَ خَيْبَرَ، فالْتَزَمْتُه، وقلتُ: واللهِ لا أُعْطِى أحدًا منه شيئًا. فالْتَفَتُّ، فإذا رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ، فاسْتَحْيَيْتُ منه. مُتَّفَقٌ عليه (٦). ولأنَّ الحاجةَ تدْعُو إلى هذا، وفى المنْعِ منه مَضَرَّةٌ بالجيشِ وبدَوابِّهِم، فإنَّه يعْسُرُ عليهم نَقْلُ الطّعامِ والعَلَفِ من دارِ الإِسلامِ، ولا يَجِدُون بدارِ الحَرْب ما يَشْتَرُونَه، ولو وجَدُوه لم يجِدُوا ثمنَه، ولا يُمْكِنُ قِسْمةُ ما يأخُذُه الواحِدُ منهم، ولو قُسِمَ لم يحْصُلْ للواحِدِ منهم شىءٌ ينْتَفِعُ به، ولا يَدْفَعُ به حاجَتَهُ، فأباحَ اللَّه تعالَى لهم ذلك، فمَنْ أخذَ من الطَّعامِ شيئًا ممَّا يُقْتاتُ أو يصلُحُ به القُوتُ، من الأُدْمِ أو غيرِه (٧)، أو العَلَفِ لدابَّتِه، فهو أحَقُّ به، سواءٌ كان له ما يَسْتَغْنِى به عنه، أو لم يكُنْ له، ويكونُ أحَقَّ بما يأخُذُه من غيرِه، فإنْ فضَلَ منه ما لا حاجَةَ به إليه، رَدَّه على المسلمين، لأنَّه إنَّما أُبِيحَ له ما يَحْتاجُ إليه. وإنْ أعْطاهُ أحَدٌ من أهْلِ الجيشِ ما يحْتاجُ إليه، جازَ له أخْذُه، وصارَ أحَقَّ به من غيرِه. وإنْ باعَ شيئًا من الطعامِ أو العلَفِ، رَدَّ قِيمَتَه (٨) فى الغَنِيمَةِ؛ لما ذَكَرْنا (٩) من حديثِ عمرَ. ورُوِىَ مثلُه عن فُضالةَ بن عُبَيْد (١٠). وبه قال سُليمانُ بن مُوسَى، والثَّوْرِىُّ، والشافِعِىُّ. وكَرِهَ القاسِمُ وسالمٌ ومالكٌ بَيْعَه. قال القاضى: لا يخلُو؛ إمَّا أنْ يَبِيعَهُ من غازٍ أو غيرِه، فإنْ باعَه لغيرِه، فالبَيْعُ باطِلٌ؛ لأنَّه يَبِيعُ (١١) مالَ الغنيمَةِ بغيرِ ولايَةٍ ولا نيابَةٍ، فيجبُ رَدُّ الْمَبِيعِ، ونَقْضُ البَيْع، فإنْ تعذَّرَ رَدُّه، رَدَّ قِيمَتَه، أو ثمنَهُ إنْ كان أكثرَ من قِيمَتِه إلى المَغْنَمِ. وعلى هذا الوَجْهِ، حُمِلَ كلامُ الخِرَقِىِّ. وإنْ باعَه لغازٍ، لم


(٥) فى: باب ما بيع من متاع العدو من ذهب أو فضة، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٧٤، ٢٧٥.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب بيع الطعام فى دار الحرب، من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٦٠.
(٦) تقدم تخريجه فى: ١/ ١١٠. ويصحح: صحيح البخارى ٥/ ٧٢ إلى ٥/ ١٧٢.
(٧) فى م: "وغيره".
(٨) فى م: "ثمنه".
(٩) فى أ: "ذكرناه".
(١٠) أخرجه البيهقى، فى الموضع السابق. انظر حاشية ٥.
(١١) فى م: "بيع".

<<  <  ج: ص:  >  >>