للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلَه؛ لما رُوِىَ عن أبى مِجْلَزٍ لاحِقِ بنِ حُمَيْدٍ، قال: قالُوا لعمرَ: كيف نأخذُ من أهلِ الحربِ إذا قَدِمُوا علينا؟ قال: كيف يأخُذُون منكم إذا دَخَلْتُم إليهم؟ قالوا: العُشْرَ. قال: فكذلك خُذُوا منهم (٢). وعن زيِادِ بنِ حُدَيْرٍ، قال: كُنَّا لا نَعْشِرُ مسلمًا ولا مُعاهدًا. قال: مَنْ كُنْتُم تَعْشِرُون؟ قال: كُفَّارَ أهلِ الحَرْبِ، نَأْخُذُ (٣) منهم كما يأخُذُون مِنَّا (٤). وقال الشافِعِىُّ: إنْ دَخَلَ إلينا لِتجارَةٍ (٥) لا يحتاجُ إليها المسلمون، لم يأذَنْ له الإمامُ إلَّا بعِوَضٍ يَشْرِطُه عليه (٦)، ومَهْما شَرَطَ جازَ. ويُسْتَحَبُّ أَنْ يشْترِطَ العُشْرَ، لِيُوافِقَ (٧) فعلَ عمرَ، رَضِى اللَّهُ عنه، وإِنْ أذِنَ مُطْلقًا من غيرِ شَرْطٍ، فالمذهبُ أنَّه لا يُؤْخَذُ منهم شىءٌ؛ لأنَّه أمانٌ من غير شَرْطٍ، فلم يُسْتَحَق به شىءٌ، كالهُدْنةِ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يجِبَ العُشْرُ؛ لأنَّ عمرَ أَخَذَهُ. ولَنا، ما رَوَيْناه فى المسألَةِ التى قَبْلَها، ولأنَّ (٨) عمرَ أخذَ منهم العُشْرَ، واشْتَهرَ ذلك فيما بين الصحابَةِ، وعمِلَ به الخلفاءُ (٩) بعدَه، [والأئِمَّةُ بعدَه] (١٠) فى كلِّ عصرٍ (١١)، من غيرِ نكيرٍ، فأىُّ إجماعٍ يكونُ أقْوَى من هذا؟ ولم يُنْقَلْ أنَّه شرَطَ ذلك عليهم عندَ دُخولِهم، ولا يثْبُتُ ذلك بالتَّخْمينِ من غيرِ نَقْلٍ، ولأنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ يُحْمَلُ على المَعْهودِ فى الشَّرْعِ، وقد استمَرَّ أخْذُ العُشْرِ منهم فى زمنِ الخلفاء الراشدين، فيجِبُ أخذُه. فأمَّا سؤالُ عمرَ عمَّا يأخذُون مِنَّا، فإنَّما كان لأنَّهُم سألُوه عن كيفيَّةِ الأَخْذِ ومقدارِهِ، ثمّ اسْتَمَرَّ الأخذُ من غيرِ سؤالٍ، ولو تقَيَّدَ أخْذُنا منهم بأخْذِهم مِنَّا، لَوَجَبَ أَنْ يُسْألَ عنه فى كلِّ وقْتٍ.


(٢) أخرجه البيهقى، فى: باب ما يأخذ من الذمى إذا اتَّجر فى غير بلده، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ٢١٠.
(٣) فى م: "فنأخذ".
(٤) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب صدقة أهل الكتاب، من كتاب أهل الكتاب. المصنف ٦/ ٩٩. وأبو عبيد، فى: باب ذكر العاشر وصاحب المكس. . .، من كتاب الصدقة وأحكامها. الأموال ٥٢٨. والبيهقى، فى: الباب السابق. السنن الكبرى ٩/ ٢١١.
(٥) فى ب، م: "بتجارة".
(٦) سقط من: الأصل، أ.
(٧) فى م زيادة: "فعله".
(٨) فى م: "وأن".
(٩) فى م زيادة: "الراشدون".
(١٠) سقط من: ب.
(١١) فى م: "عصره".

<<  <  ج: ص:  >  >>