للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التِّجارَةِ، وأنْ نُضِيفَ كُلَّ مسلمٍ عابرِ سَبِيلٍ ثلاثةَ أيامٍ، ونُطْعِمَه منِ أوْسَطِ ما نَجِدُ، ضَمنَّا ذلك على أنفُسِنا، وذَرارِيِّنا، وأزْواجِنا، ومَساكِنِنا، وإِنْ نحنُ غيَّرْنا أو خالَفْنا عمَّا شَرَطْنا على أنفُسِنا، وقَبِلْنا الأمانَ عليه، فلا ذِمَّة لَنا، وقد حَلَّ لك مِنَّا ما يَحِلُّ لأهْلِ المُعانَدَةِ والشِّقاقِ. فكَتَبَ بذلك عبدُ الرحمنِ بن غَنْمٍ إلى عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فكَتَبَ لهم عمَرُ: أَنْ أمْض لهم ما سَأَلُوه، وألحِقْ فيه حَرْفَيْن، اشْتَرِطْ أَنَّ (٦) عليهم مع ما شَرَطُوا على أنفُسِهم أَنْ لا يَشْتَرُوا من سَبَايانا شيئًا، ومَنْ ضَرَبَ مسلمًا عَمْدًا، فقد خَلَعَ عَهْدَه. فأَنْفَذَ عبدُ الرحمن بن غَنْمٍ ذلك، وأقَرَّ مَنْ أقامَ من الرُّومِ فى مَدائِن الشام على هذا الشَّرْط (٧). فهذه جُمْلَةُ شروطِ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فإذا صُولِحُوا عليها، ثم نَقَضَ بعضُهم شيئًا منها، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أَنَّ عَهْدَه يَنْتَقِضُ به. وهو ظاهِرُ ما رَوَيْناه؛ لقولِهم فى الكتابِ: إنْ نحنُ خالَفْنا، فقد حَلَّ لَكَ مِنَّا ما يَحِلُّ لَكَ من أهلِ المُعانَدَةِ والشِّقاقِ. وقال عمرُ: مَنْ (٨) ضَرَبَ مسلمًا عَمْدًا، فقد خَلَعَ عَهْدَه. ولأنَّه عَقْدٌ بشرطٍ فمتى لم يُوجَدِ الشَّرْطُ، زالَ حُكْمُ العَقْدِ، كما لو امْتَنَعَ مِن الْتزامِ الأحكامِ. وذكرَ القاضِى، والشريفُ أبو جَعْفَر، أَنَّ الشُّرُوطَ (٩) قِسْمان؛ أحدُهما يَنْتَقِضُ العهدُ بمُخالَفَتِه، وهو أحَدَ عَشَرَ شيئًا؛ الامتناعُ من بَذْلِ الْجِزيَةِ، وجَرْى أحْكامِنا عليهم إذا حَكَمِ بها حاكِمٌ، والاجتماعُ على قتالِ المسلمين، والزِّنَى بمُسْلِمَةٍ، وإصابتُها باسْمِ نكاحٍ، وفَتْنُ مسلمٍ عن دِينِه، وقَطْعُ الطَّرِيقِ عليه، وقتلُه، وإيواءُ جاسوسِ المشركين، والمُعاوَنَةُ على المسلمين بدلالَة المشركين على عَوْراتِهم أو مُكاتَبَتهِم، وذكْرُ اللَّه تعالى أو كتابِه أو دينِه أو رسولِه بسُوء، فاْلخَصْلتان الأُولَيان يَنْتَقِضُ العَهْدُ بهما بلا خِلافٍ فى المذهبِ. وهو مذْهَبُ الشافِعِىِّ. وفى معناهما قتالُهم للمسلمين مُنْفَرِدين أو مع أهلِ الحَرْبِ؛ لأنَّ إطلاقَ الأمانِ يقْتَضِى ذلك، فإذا فعَلُوه نَقَضُوا الأمانَ؛ لأنَّهُم إذا قاتلُونا (١٠)، لَزِمَنا قِتالُهم، وذلك ضِدُّ


(٦) سقط من: م.
(٧) تقدم تخريجه، فى صفحة ٢١٥.
(٨) فى م: "ومن".
(٩) فى أ: "المشروط".
(١٠) فى أ: "قاتلوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>