للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوزُ صُلْحُهم على ذلك، بدليلِ ما رُوِىَ عن عِكْرِمَةَ، قال: قال ابنُ عبَّاس: أيُّما مِصْرٍ مَصَّرَتْه العربُ، فليس للعجَمِ أَنْ يبْنُوا فيه بِيعَةً، ولا يضْرِبُوا فيه ناقُوسًا، ولا يشْربُوا فيه خمرًا، ولا يتَّخِذُوا فيه خِنْزيرًا. روَاه الإِمامُ أحمدُ (٢٠)، واحتَجَّ به. ولأنَّ هذا البلدَ مِلْكٌ للمسلمين، فلا يجوزُ أَنْ يبْنُوا فيه مَجامِعَ للكُفْرِ. وما وُجِدَ فى هذه البلاد من البيَعِ والكنائِسِ، مثل كنيسة الرُّومِ فى بغداد، فهذه كانت فى قُرَى أهلِ الذِّمَّةِ، فأُقِرَّتْ على ما كانتْ عليه. القسم الثانى، ما فَتَحَهُ المسلمون عَنْوَةً، فلا يجوزُ إحْداثُ شىءٍ من ذلك فيه؛ لأنَّها صارَتْ ملكًا للمسلمين، وما كان فيه من ذلك ففيه وجهان؛ أحدُهما، يجبُ هَدْمُه، وتَحْرُمُ تَبْقِيَتُه؛ لأنَّها بلادٌ مملوكَةٌ للمسلمين، فلم يَجُزْ أَنْ تكونَ فيها بِيعَةٌ، كالبلادِ التى اخْتَطَّها المسلمُون. والثانى، يجوزُ؛ لأنَّ فى حديثِ ابنِ عباس: أيُّما مِصْرٍ مَصَرَّتْه العَجَمُ، فَفَتَحَه اللَّهُ على العَربِ، فنزَلُوه، فإنَّ للعجَمِ ما فى عَهْدِهم. ولأنَّ الصحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فَتَحُوا كثيرًا من البلادِ عَنْوَةً، فلم يَهْدِمُوا شيئًا من الكنائِس. ويَشْهَدُ لصِحَّةِ هذا، وجودُ الكنائِسِ والبِيَعِ فى البلادِ التى فُتِحَتْ عَنْوَة، ومعلومٌ أنَّها ما أُحْدِثَتْ، فيَلْزَمُ أَنْ تكونَ موجودةً فأُبْقِيَتْ. وقد كَتَبَ عمرُ بن عبد العزيز، رَضِىَ اللَّهُ عنه، إلى عُمَّالِه، أَنْ لا يهدِمُوا بِيعَةً ولا كنيسةً ولا بَيْتَ نارٍ. ولأنَّ الإجْماعَ قد حَصَلَ على ذلك، فإنَّها موجودَةٌ فى بلادِ (٢١) المسلمين من غيرِ نَكِيرٍ. القسمُ الثالثُ، ما فُتِحَ صُلْحًا، وهو نَوْعان؛ أحدُهما، أَنْ يُصالِحَهم على أَنَّ الأرْضَ لهم، ولنا الخراجُ عنها، فلهم إحداثُ ما يخْتارون (٢٢) فيها؛ لأنَّ الدارَ لَهم. والثانى، أَنْ يُصالِحَهُم على أَنَّ الدارَ للمسلمين، ويُؤَدُّون (٢٣) الجِزْيَةَ إلينا، فالحُكْمُ فى البِيَعِ والكنائِسِ على ما يَقَعُ عليه الصُّلْحُ معهم، من إحْداثِ ذلك، وعِمارَتِه؛ لأنَّه إذا جازَ أَنْ يقَعَ الصُّلْحُ معهم على أن الكُلَّ لهم، جازَ أَنْ


(٢٠) وأخرجه البيهقى، فى: باب لا تهدم لهم كنيسة ولا بيعة. . .، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ٢٠٢. وعبد الرزاق، فى: باب هدم كنائسهم وهل يضربون بناقوس، من كتاب أهل الكتاب. المصنف ٦/ ٦٠.
(٢١) فى الأصل: "بلد".
(٢٢) فى م: "يحتاجون".
(٢٣) أى: "وهم يؤدون".

<<  <  ج: ص:  >  >>