للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانتْ حَرَكَتُه بعدَ خُرُوجِه كحَرَكَةِ المَذْبوحِ، فهو حلالٌ. رُوِىَ هذا عن عمرَ، وعلىٍّ. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّب، والنَّخَعِىُّ، والشافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ عمرَ: ذَكاتُه ذَكاةُ أمِّه إذا أشْعَرَ. ورُوِىَ ذلك عن عَطاءٍ، وطاوسٍ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِىِّ، والحسنِ، وقَتادَةَ، ومالِكٍ، واللَّيْثِ، والحسنِ بن صالحٍ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّ عبدَ اللَّه بن كَعْبِ بن مالِكٍ، قال: كان أصْحابُ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولون: إذا أَشْعَرَ الجنينُ، فذَكاتُه ذكاةُ أُمِّهِ (٢). وهذا إشارةٌ إلى جميعِهِم، فكان إجماعًا. وقال أبو حنيفةَ: لا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يخْرُجَ حَيًّا فيُذَكَّى؛ لأنَّه حيوانٌ ينْفَرِدُ بحَياتِه، فلا يتَذَكَّى بذَكاةِ غيرِه، كما بعدَ الوضْعِ. قال ابنُ المُنْذرِ: كان الناسُ على إباحَتِه، لا نَعْلَمُ أحدًا منهم خالَفَ ما قالُوا (٣)، إلى أَنْ جاءَ النُّعْمانُ، فقال: لا يَحِلُّ؛ لأنَّ ذكاةَ نفسٍ لا تكونُ ذَكاةَ نَفْسَيْن. ولَنا، ما رَوَى أبو سعيد، قال: قيل: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ أحَدَنا يَنْحَرُ النَّاقَةَ، ويَذْبَحُ البقرةَ والشَّاةَ، فيَجِدُ فى بطْنِها الجَنِينَ، أَنَأْكُلُه أم نُلْقِيه؟ قال: "كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فَإنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ". وعن جابِر، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ". روَاهما أبو داودَ (٤). ولأَنَّ هذا إجماعٌ من الصَّحابَةِ ومَنْ بَعْدَهُم، فلا يُعَوَّلُ على ما خالَفَه، ولأنَّ الْجَنِينٍ مُتَّصِلٌ بها اتصالَ خِلْقَةٍ، يَتَغَذَّى بغِذائِها، فتكونُ ذَكاتُه ذَكَاتَها، كأَعضائِها، ولأنَّ الذَّكاةَ فى الحيوانِ تخْتَلِفُ على حَسَبِ الإِمْكانِ فيه والقُدْرَةِ، بدَليلِ الصَّيْدِ المُمْتَنِع والمَقْدورِ عليه والمُتَردِّيَةِ، والجَنينُ لا يُتَوصَّلُ إلى ذَبْحهِ بأَكْثَرَ من ذَبْحِ أُمِّه، فيكونُ ذَكاةً له.


(٢) أخرجه الإِمام مالك، فى: باب ذكاة ما فى بطن الذبيحة، من كتاب الذبائح. الموطأ ٢/ ٤٩٠. والبيهقى، فى: باب ذكاة ما فى بطن الذبيحة، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى ٩/ ٣٣٥، ٣٣٦. وعبد الرزاق، فى: باب الجنين، من كتاب المناسك. المصنف ٤/ ٥٠١.
(٣) فى ب: "قالوه".
(٤) فى: باب ما جاء فى ذكاة الجنين، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود ٢/ ٩٣.
كما أخرجهما الدارمى، فى: باب فى ذكاة الجنين، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى ٢/ ٨٤.
وأخرج الأول الترمذى، فى: باب ما جاء فى ذكاة الجنين، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى ٦/ ٢٦١. وابن ماجه، فى: باب ذكاة الجنين ذكاة أمه، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠٦٧. والإِمام أحمد، فى: الجسد ٣/ ٣١، ٣٩، ٤٥، ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>