للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَعِيرَيْنِ دَفْعةً واحدةً، فإنْ أرسلَ أحَدَهما قبلَ الآخَرِ، لِيُعْلَمَ هل يُدْركُه الآخرُ أَوْ لا؟ لم يَجُزْ هذا فى المُسابَقَةِ بعِوَضٍ؛ لأَنَّه قد لا يُدْركُه مع كَوْنِه أسْرَعَ منه، لبُعْدِ المسافَةِ بينهما. ويكونُ عند أوَّلِ المسافَةِ مَنْ يشاهِدُ إرْسالَهما، ويُرتِّبُهما، وعندَ الغايَةِ مَنْ يضْبِطُ السَّابِقَ منهما؛ لئلَّا يَخْتَلِفا فى ذلك. ويحْصُلُ السَّبْقُ فى الخيلِ بالرأسِ إذا تماثَلَت الأَعْناقُ، فإنْ اخْتَلَفا فى طُولِ العُنُقِ (١٥)، أو كان ذلك فى الإِبلِ، اعْتُبِرَ السَّبْقُ بالكَتِفِ؛ لأَنَّ الاعْتبارَ بالرَّأْسِ مُتَعَذِّرٌ، فإنَّ طويلَ العُنُقِ لم قد يسْبِقُ رَأْسُه (١٦) الطولِ عُنُقِه، لا لِسُرْعَةِ عَدْوِهِ، وفى الإِبلِ ما يَرْفَعُ رأْسَه، وفيها ما يمُدُّ عُنُقَه، فربَّما سبَقَ رَأسُه لِمَدِّ عُنُقِه، لا لِسَبْقِه، فلذلك اعْتَبَرْنا الكَتِفَ، فإنْ سبقَ رأسُ قصيرِ العُنُقِ فهو سابِقٌ؛ لأنَّ من ضرورَةِ ذلك كوَنه سابقًا، وإِنْ سبَقَ طويلُ العُنُقِ بأكْثَر ممَّا بينهما فى طُولِ العُنُقِ، فقد سبَقَ، وإِنْ كان بقَدْرِه لم يَسْبِقْه، وإِنْ كان أقلَّ، فالآخَرُ السَّابِقُ. ونحوُ هذا كلِّه قولُ الشافِعِىِّ. وقال الثَّوْرِىُّ: إذا سبقَ أحدُهما بالأُذُن كان سابقًا. ولا يصِحُّ؛ لأنَّ أحدَهُما قد يرفعُ رأْسَه ويمدُّ الآخرُ عُنُقَه، فيَسْبِقُ (١٧) بأُذُنِه لذلك لا لِسَبْقِه. وإِنْ شَرَطا السَّبْقَ بأقْدامٍ معلومَةٍ، كثلاثَةٍ أو أكثرَ أو أقلَّ، لم يَصِحَّ. وقال بعضُ (١٨) أصحابِ الشافِعِىِّ: يَصِحُّ، ويَتَخاطَّان ذلك، كما فى الرَّمْى. وليس بصحيح؛ لأنَّ هذا لا يَنْضَبِطُ، ولا يَقِفُ الفَرَسان عنَد الغايَةِ، بحيثُ يُعْرَفُ مِساحَةُ ما بينهما. وقد رَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (١٩)، بإسْنادِه عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لَعَلِىٍّ: "قَدْ جَعَلْتُ لَكَ هذِهِ السَّبْقَةَ بَيْنَ النَّاسِ". فخرجَ علىٌّ فدَعَا سُراقَةَ بنَ مالِك، فقال: يا سُراقَةُ، إنِّى قد جَعَلْتُ إليك ما جَعَلَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى عُنُقِى من هذه السَّبْقَةِ فى عُنُقِك، فإذا أتَيْتَ المِيطانَ (٢٠) -قال أبو عبد الرحمن المِيطانُ مُرْسِلها


(١٥) فى ب: "الأعناق".
(١٦) فى أ، ب: "برأسه".
(١٧) فى م: "فيكون سابقا".
(١٨) سقط من: ب.
(١٩) فى: كتاب السبق بين الخيل. سنن الدارقطنى ٤/ ٣٠٥، ٣٠٦، ٣٠٧.
كما أخرجه البيهقى، فى: باب لا جلب ولا جنب فى الرهان، من كتاب السبق والرمى. السنن الكبرى ١٠/ ٢٢.
(٢٠) الميطان: من جبال المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>