للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل: وتصِحُّ من كُلِّ مُكلَّفٍ مُخْتارٍ قاصِدٍ إلى اليمينِ، ولا تصحُّ من غيرِ مُكَلَّفٍ، كالصبىِّ والمجنونِ والنائمِ؛ لقولِه عليه السلام: "رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ" (٨). ولأنَّه قولٌ يتعَلَّقُ به وُجوبُ حَقٍّ، فلم يَصِحَّ من غير مُكَلَّفٍ [كالإِقْرارِ. وفى السَّكْرانِ وَجْهان؛ بناءً على أنَّه هل هو مُكَلَّفٌ] (٩)، أو غيرُ مُكلَّفٍ؟ ولا تَنْعَقِدُ يَمِينُ مُكْرَهٍ. وبه قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: تَنْعقِدُ؛ لأَنَّها يَمِينُ مُكلَّفٍ، فانْعَقَدَت، كيَمِينِ المُخْتارِ. ولَنا، ما رَوَى أبو أُمامَةَ، وواثِلَةُ بنُ الأسْقَعِ، أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ" (١٠). ولأنَّه قولٌ حُمِلَ عليه بغيرِ حَقٍّ، فلم يصِحَّ، ككلمَةِ الكُفْرِ.

فصل: وتَصِحُّ اليمينُ من الكافِرِ، وتَلْزَمُه الكفَّارَةُ بالحِنْثِ، سواءٌ حَنَثَ فى كُفْرِه أو بعدَ إسْلامِه. وبه قال الشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ إذا حَنَثَ بعدَ إسْلامِه. وقال الثوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: لا يَنْعَقِدُ يَمِينُه؛ لأنَّه ليس بمُكَلَّفٍ. ولَنا، أنّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، نَذَرَ فى الجاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فى المسجدِ الحرامِ، فأمَرَه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالوفاءِ بنَذْره (١١). ولأَنَّه من أهلِ القَسَمِ، بدليلِ قولِه تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (١٢). ولا نُسَلِّمُ أنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، وإنَّما تسْقطُ عنه العباداتُ بإسْلامِه؛ لأنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ ما قبلَه، فأمَّا ما الْتَزَمَه (١٣) بنَذْرِه أو يَمِينه، فَيَنْبَغِى أَنْ يَبْقَى حُكْمُه فى حَقِّه؛ لأنَّه (١٤) من جِهَتِه.

فصل: ولا يجوزُ الحَلِفُ بغيرِ اللَّه تعالى، وصِفاتِه، نحو أَنْ يحلفَ بأَبِيهِ، أو الكَعْبَةِ، أو صَحابِىٍّ، أو إمامٍ. قال الشافِعِىُّ: أخْشَى أَنْ يكونَ مَعْصِيَةً. قال ابنُ عبد البَرِّ: وهذا أصلٌ مجمعٌ عليه. وقيل: يجوزُ ذلك؛ لأنَّ اللَّه تعالى أقْسَمَ بمَخْلُوقاتِه، فقال:


(٨) تقدم تخريجه، فى: ٢/ ٥٠.
(٩) سقط من: م. نقل نظر.
(١٠) أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب النذور. سنن الدارقطنى ٤/ ١٧١.
(١١) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٤٥٧.
(١٢) سورة المائدة ١٠٦.
(١٣) فى م: "لزمه".
(١٤) فى الأصل: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>