للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفى لفظٍ: "مَنْ حَلَفَ (٢٤) أنَّه بَرِىءٌ مِنَ الإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ كَذَبَ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الإِسْلَامِ سَالِمًا". روَاه أبو داود (٢٥). فأمّا قَسَمُ اللَّهِ بمَصْنُوعاتِه، فإنَّما أقْسَمَ به دَلالةً على قُدْرتِه وعَظمَتِه، وللَّهِ تعالى أَنْ يُقْسِمَ بما شاءَ مِن خَلْقِه، ولا وَجْهَ للقياس على إقْسامِه. وقد قيل: إنَّ (٢٦) فى إقْسامِه إضمارَ القسمِ بربِّ هذه المخلوقاتِ، فقولُه: {وَالضُّحَى} (٢٧). أى وربِّ الضُّحَى. وأمَّا قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفلَحَ، وأبيهِ، [إنْ صَدَقَ] (٢٨) ". فقال ابنُ عبدِ الْبَرِّ: هذه اللفظة غيرُ مَحْفُوظَةٍ من وَجْهٍ صحيحٍ، فقد روَاه مالِكٌ وغيرُه من الحُفَّاظِ فلم يقولُوها فيه. وحديثُ أبى العشراءِ، قد قال أحمدُ: لو كانَ يثْبُتُ. يعنى أَنَّه لم يَثْبُتْ، ولهذا لم يَعْمَلْ به الفُقَهاءُ فى إباحَةِ الذَّبْحِ فى الفَخِذِ. ثم لو ثَبَتَ، فالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْىَ بعدَه؛ لأنَّ عمرَ قد كان يحْلِفُ بها كما حَلَفَ بها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم نُهِىَ عن الحَلِفِ بها، ولم يرِدْ بعدَ (٢٩) النَّهْى إباحَةٌ، ولذلك قال عمرُ، وهو يَرْوِى الحديثَ بعدَ مَوْتِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: فما حَلَفْتُ بها ذاكِرًا، ولا آثِرًا. ثم إنْ لم يكنْ الحَلِفُ بغيرِ اللَّه مُحَرّمًا فهو مكرُوهٌ، فإنْ حلفَ فلْيَسْتَغْفِر اللَّهَ تعالى، أو ليَذْكُرِ اللَّهَ تعالى، كما قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ باللَّاتِ والْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ". لأنَّ الحَلِفَ بغيرِ اللَّه سَيِّئَةٌ، والحَسَنَةُ تَمْحُو السَّيِّئَةَ، وقد قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (٣٠). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فاتبِعْها حَسَنَةً تَمْحُهَا" (٣١). ولأنَّ مَن حَلَفَ بغيرِ اللَّه، فقد عَظَّمَ غيرَ اللَّه تَعْظِيما يُشْبِهُ تَعْظيمَ الرَّبِّ تبارَكَ وتعالَى، ولهذا سُمِّى شِرْكًا؛ لكَوْنِه أشرَكَ غيرَ اللَّهِ مع اللَّه تعالَى فى تَعْظيمِه بالقَسَمِ به، فيقولُ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ. تَوْحِيدًا للَّه تعالى، وبَراءَةً من الشِّرْكِ. وقال الشافِعِىُّ: مَن حلَفَ بغير اللَّه تعالى، فلْيَقُلْ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.


(٢٤) سقط من: م.
(٢٥) فى: باب ما جاء فى الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ٢٠١.
(٢٦) سقط من: ب.
(٢٧) سورة الضحى ١.
(٢٨) سقط من: الأصل، أ.
(٢٩) فى ب زيادة: "ذلك".
(٣٠) سورة هود ١١٤.
(٣١) أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>