للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّنَّةُ. والرِّوَايَةُ الثانيةُ: أنه يَجْلِسُ. اخْتَارَهَا الخَلَّالُ. وهو أحَدُ قولَىِ الشافعىِّ. قالَ الخَلَّالُ: رجَعَ أبو عبدِ اللهِ إلى هذا. يَعْنِى تَرَكَ قَوْلَه بِتَرْكِ الجُلُوس؛ لمَا رَوَى مالكُ بنُ الحُوَيْرِثِ، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ يَجْلِسُ إذا رَفَعَ رأسهُ مِن السجودِ قَبْلَ أنْ يَنْهَضَ. [رَواهُ البُخارِىّ] (٣). وذَكَرَهُ أَيضًا أبو حُمَيْدٍ في صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤)، وهو حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ، فَيَتَعَيَّنُ العَمَلُ به، والمصيرُ إليه.

وقيل: إنْ كانَ المُصَلِّى ضَعِيفًا جلسَ للاسْتِرَاحَةِ؛ لحَاجَتِهِ إلى الجُلُوسِ، وإنْ كان قوِيًّا لم يَجْلِسْ؛ لغِنَاهُ عنه، وحُمِلَ جُلوسُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أنَّه كان في آخرِ عُمْرِه، عند كِبَرِه وضَعْفِه، وهذا فيهِ جَمْعٌ بين الأخبارِ، وتَوَسُّطٌ بين القولَيْن.

فإذَا قُلْنَا: يجلِسُ. فَيَحْتَمِلُ أنه يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا على صفةِ الجلوسِ بين السَّجْدتيْنِ، وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لقَولِ أبي حُمَيْدٍ فِي صفةِ صلاةِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ثُمَّ ثَنَى رِجْلَه، وقَعَدَ، واعْتَدَلَ حتى رَجَعَ (٥) كلُّ عُضْوٍ في مَوْضِعِهِ، ثم نَهَضَ. وهذا صَرِيحٌ في كَيْفِيَّةِ جِلْسَةِ الاسْتِرَاحَةِ، فيَتَعَيَّنُ المَصِيرُ إليه. وقالَ الخَلَّالُ: رَوَى عن أحمدَ مَنْ لا أُحْصِيهِ كَثْرَةً، أنَّه يَجْلِسُ على أليَتَيْهِ. قال القاضي: يَجْلِسُ على قدمَيْهِ وَألْيَتَيْهِ، مُفْضِيًا بهما إلى الأرضِ؛ لأنَّه لو جَلَسَ مُفْتَرِشًا لم يَأْمَنِ السَّهْوَ، فَيَشُكُّ هل جَلَسَ عن السَّجْدةِ الأُولَى أو الثَّانِيةِ؟ وبهذا يأْمَنُ ذلك. وقال أبو الحسنِ الآمِدِىُّ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يَلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بِالأرْضِ فِي جِلْسَةِ الاسْتِرَاحَةِ، بَلْ يَجْلِسُ مُعَلَّقًا عن الأرْضِ. وعلى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ يَنْهَضُ إلى القيامِ على صُدُورِ قدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا على رُكْبَتَيْه، ولا يَعْتَمِدُ على يديهِ. قال القاضي: لا يختَلِفُ قولُه، أنه لا يَعْتَمِدُ على الأرضِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يجلِسُ للاسْتِرَاحَةِ أو لَا يَجْلِسُ. وقال مالكٌ،


(٣) في م: "متفق عليه". وأخرجه البخاري، في: باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسنته، من كتاب الأذان. صحيح البخاري ١/ ١٧٢.
(٤) تقدم تخريج حديث أبي حميد، في صفحة ١٢٢.
(٥) في م: "يرجع".

<<  <  ج: ص:  >  >>