للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمالِ، روايتان؛ إحداهُما، يجوزُ تَكْفِيرُه به (٥). والأُخْرَى، لا يجوزُ إِلَّا بالصِّيامِ. وقد ذَكَرنا عِلَلَ ذلك فى الظِّهارِ، والاخْتِلافَ فيه (٦). وذكرَ القاضِى، أَنَّ أصْلَ هذا عندَه الرِّوايتان فى مِلْكِ العَبْدِ بالتَّمْليكِ، إِنْ قُلْنا: يَمْلِكُ بالتَّمْليكِ. فمَلَّكه سيِّدُه، وأَذِنَ له بالتَّكْفيرِ بالمالِ، جازَ؛ لأنَّه مالِكٌ لما يُكَفِّرُ به، وإِنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. ففَرْضُه الصِّيامُ؛ لأنَّه (٧) لا يَمْلِكُ شيئًا يُكفِّرُ به. وكذلك إِنْ قُلْنا: يَمْلِكُ. ولم يأذَنْ له سَيِّدُه [فى التَّكْفِيرِ بالمالِ] (٨)، ففَرْضُه الصيامُ، وإِنْ مَلَكَ؛ لأنَّه محجورٌ عليه، مَمْنُوع من التَّصَرُّفِ فيما فى يَدَيْه. قال: وأصحابُنا يجْعلون فى العَبْدِ رِوايَتَيْن مُطْلقًا، سواء قُلْتا: يَمْلِكُ. أو لا يملكُ. ثم على الرِّوايَةِ التى تُجِيزُ له التَّكْفِيرَ بالمالِ، له أَنْ يُطْعِمَ، وهل له أَنْ يعتِقَ؟ على رِوايَتَيْن؛ إحْداهما، ليس له ذلك؛ لأنَّ العِتْقَ يَقْتَضِى الوَلاءَ والوِلايَةَ والإرْثَ، وليس ذلك للعَبْدِ، ولكن يُكَفِّرُ بالإطْعامِ. وهذا روايَةٌ عن مالِكٍ. وبه قال الشافِعِىُّ، على القولِ الذى يُجِيزُ له التَّكْفيرَ بالمالِ. والْثانية، له التَّكْفِيرُ بالعِتْقِ؛ لأنّ مَنْ صَحَّ تَكْفِيرُه بالمالِ، صَحَّ بالعِتْقِ، كالحُرِّ، ولأنَّه يَمْلِكُ العَبْدَ، فصَحَّ تَكْفيرُه بإعْتاقِه، كالحُرِّ. وقولُهم: إِنَّ العِتْقَ يَقْتَضِى الولاءَ والوِلايَةَ. لا نُسَلِّمُ ذلك فى العِتْقِ فى الكَفَّارَةِ، على ما أسْلَفْناه، وإِنْ سَلَّمْنا، فتخَلُّفُ بعض الأحْكامِ لا يَمْنَعُ ثُبوتَ المُقْتَضِى، فإِنَّ الحُكْمَ يتخَلَّفُ لتَخَلُّفِ (٩) سَبَبِه، لا لِتخَلُّفِ أحْكامِه، كما أنَّه يثْبُتُ لوُجودِ سَبَبِه، ولأنَّ تخَلُّفَ بعْض الأحْكامِ مع وجودِ المُقْتَضِى، إنَّما يكونُ لمانِع مَنَعَها، ويجوزُ أنْ يخْتَصَّ المنعُ بها دونَ غيرِها، ولهذا السَّببَ المُقْتَضِى لهذه الأحْكامِ لا يَمْنَعُ ثُبوتُه تَخَلُّفَها عنه فى الرَّقِيقِ، على أَنَّ الوَلاءَ يثْبُتُ بإعْتاقِ العَبْدِ، لكن لا يرِثُ به، كما لو اخْتَلفَ دِينَاهُما. وهذا اخْتيارُ أبى بَكْرٍ، وفرَّعَ عليه إذا أذِنَ له سَيِّدُه فأعْتَق نَفْسَه، ففيه قَوْلان؛ أحدُهما، يُجْزِئُه؛ لأنَّه (١٠) رَقَبةٌ تُجْزِئُ عن غيرِه، فأَجْزَأَتْ عن نَفسِه كغيرِه. والآخَرُ، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّ الإِذْنَ له فى الإعْتاق ينْصَرِفُ إلى


(٥) لم يرد فى: الأصل.
(٦) تقدم فى: ١١/ ١٠٦.
(٧) سقط من: ب.
(٨) فى م: "بالتكفير فى المال".
(٩) فى م: "بتخلف".
(١٠) فى م: "لأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>