للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (٢). فوَجْهُ الدَّلالَةِ من وَجْهَيْن؛ أحدُهما، أنَّه جَعَلَ الكفَّارَةَ أحَدَ هذه الخِصالِ الثَّلَاثَةِ، ولم يأْتِ بواحِدٍ منها. الثانى، أَنَّ اقْتِصارَه (٣) على هذه الخِصالِ الثلاثِ دليلٌ على انْحِصارِ التَّكْفيرِ فيها، وما ذَكَرْتُمُوهِ خَصْلةٌ رابِعَةٌ، ولأنَّه نوعٌ من التَّكْفِيرٍ، فلم يُجْزِئْه تَبْعيضُه، كالعِتْقِ، ولأنَّه لَفَّقَ الكَفَّارَة من نَوْعَيْن، فأشْبَهَ ما لو أعْتَقَ نِصْف عَبْدٍ وأطْعَم خَمْسَةً أو كَساهُم. ولَنا، أنَّه أخْرَجَ من المنْصوص عليه بِعَدِّه العدَدَ الواجِبَ، فأَجْزَأَ، كما لو أخْرَجَه من جِنْسٍ واحِدٍ، ولأنَّ كُلَّ واحِدٍ من النَّوْعَيْنِ يقومُ مقامَ صاحِبِه فى جميعِ العَدَدِ، فقامَ مَقامَه فى بعضِه، كالكَفَّارَتَيْن، وكالتَّيَمُّمِ لمَّا قامَ مقامَ الماءِ فى البدَنِ كلِّهِ فى الجنابَةِ، جازَ فى بعضِه فى طَهارَةِ الحَدَث، أو (٤) فيما إذا كان بعضُ بَدَنِه صحيحًا وبعضُه جَرِيحًا، وفيما إذا وجدَ من الماءِ ما يكْفِى بعضَ بَدَنِه، ولأنَّ مَعْنَى الطعامِ والكِسْوَةِ مُتقارِبٌ، إذِ القَصْدُ (٥) منهما (٦) سَدُّ الخَلَّةِ، ودَفْعُ الحاجَةِ، وقد اسْتَوَيا فى العَدَدِ، واعتبارِ المَسْكَنَةِ فى الدفوعِ إليه، وَتَنَوُّعِهما من حيث كَوْنُهما فى الإِطْعامِ سَدُّ الْجَوعَةِ، وفى الكِسْوَةِ سَتْرُ العَوْرَةِ، لا يَمْنعُ الإِجْزاءَ فى الكفَّارة المُلفَّقَةِ منهما، كما لو كان أحَدُ الفَرِيقَيْن (٧) مُحْتاجًا إلى سَتْرِ عَوْرَتِه.، والآخرُ إلى سَدِّ جَوْعَتِه (٨)، ولأنَّه قد خَرَجَ عن عُهْدَةِ الذين أَطْعَمَهم بالإِطْعامِ، ويَخْرُجُ عن عُهْدَةِ الذين كساهم بالكِسْوَةِ، بدليلِ أنَّه لا يَلْزَمُه بالإِنْفاقِ أكثرُ من إطْعامِ مَنْ بَقِىَ، ولا كِسْوَةُ أكثرَ مِمَّنْ (٩) بَقِىَ، وإذا خرَج عن عُهْدَةِ عَشَرَة مَساكِين، وجَبَ أَنْ يُجْزِئَه، كما لو اتَّفَقَ النَّوْعُ. وأمَّا الآيَةُ، فإنَّها تَدُلُّ


(٢) سورة المائدة ٨٩.
(٣) فى م: "انتصاره" تحريف.
(٤) سقط من: م.
(٥) فى ب: "المقصود".
(٦) فى الأصل: "منها".
(٧) فى أ، ب، م: "الفقيرين".
(٨) فى الأصل، أ، ب: "الاستدفاء".
(٩) فى ب: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>