للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُهما، هو طعامٌ؛ لقول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (٤٧). والطَّعامُ ما (٤٨) يُطْعَمُ، ولأَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَمَّى اللَّبَنَ طعامًا، وهو مَشْروبٌ، فكذلك الماءُ. والثانى، ليس بطعامٍ؛ لأنَّه لا يُسَمَّى طَعامًا، ولا يُفْهَمُ من إطْلاقِ اسمِ الطَّعامِ، ولهذا يُعْطَفُ عليه، فيقال: طعامٌ وشَرابٌ. وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنِّى [لا أَعْلَمُ] (٤٩) ما يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ والشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ". روَاه ابنُ ماجَه (٥٠). ويقال: بابُ الأَطْعِمَةِ والأشْرِبَة. ولأنَّه إِنْ كان طعامًا فى الحقيقَةِ، فليس بطعامٍ فى العُرْفِ، فلا يَحْنَثُ بشُرْبِه، لأَنَّ مَبْنَى الأيْمانِ على العُرْفِ، لكَوْنِ الحالِفِ فى الغالِب لا يريدُ بلَفْظِه إِلَّا ما يَعْرِفُه. وإِنْ أَكَلَ دواءً، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ؛ لأنَّه يُطْعَمُ حال الاخْتِيارِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. والثانى، لا يَحْنَثُ؛ لأنَّه لا يَدْخُلُ فى إطْلاقِ اسمِ الطَّعامِ، ولا يُؤْكَلُ إِلَّا عندَ الضَّرُورَةِ. فإنْ أَكَلَ من نباتِ الأَرْضِ ما جَرَتِ العادَةُ بأَكْلِه، حَنِثَ. وإِنْ أكَلَ ما لم (٥١) [تَجْرِ به] (٥٢) عادَةٌ، كوَرَقِ الشَّجَرِ، ونُشارَةِ الخَشَبِ، احْتَملَ وَجْهَيْن؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ؛ لأَنَّه قد أَكَلَه، فأشْبَهَ ما جَرَتِ العادَةُ بأكْلِه، ولأَنَّه (٥٣) رُوِىَ عن عُتْبَةَ ابنِ غَزْوانَ، أنَّه قال: لقد رأيْتُنا مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، سابِعَ سَبْعَةٍ، ما لَنا طعامٌ إِلَّا وَرَقُ الحُبْلَةِ (٥٤)، حتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنا (٥٥). الثانى، لا يَحْنَث؛ لأنَّه لا يَتَناوُله اسمُ الطَّعامِ فى العُرْفِ.


(٤٧) سورة البقرة ٢٤٩.
(٤٨) سقط من: ب.
(٤٩) فى ب: "لأعلم".
(٥٠) فى: باب اللبن، من كتاب الأطعمة. سنن ابن ماجه ٢/ ١١٠٣.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب ما يقول إذا شرب اللبن، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود ٢/ ٣٠٤.
(٥١) فى م: "لا".
(٥٢) فى م: "يجزئه" تصحيف.
(٥٣) فى الأصل زيادة: "قد".
(٥٤) فى ب: "الحلبة". والحُبْلَةُ: ثَمَر السَّمُرِ، يشبه اللوبياء. النهاية ١/ ٣٣٤.
(٥٥) فى ب: "أحداقنا". والحديث أخرجه مسلم، فى: باب حدثنا قتيبة بن سعيد. . .، من كتاب الزهد والرقائق. صحيح مسلم ٤/ ٢٢٧٩. وابن ماجه، فى: باب معيشة أصحاب النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه ٢/ ١٣٩٢. والإِمام أحمد، فى: المسند ٤/ ١٧٤، ٥/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>