للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يَتَنَوَّعُ أنْواعًا؛ فمنه ما يَشْتَهِرُ التَّخْصِيصُ فيه، كلَفْظِ الدَّابَّةِ، هو فى الحقيقَةِ اسمٌ لكلِّ ما يَدِبُّ، قال اللَّه تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (١٦). وقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (١٧). وفى العُرْفِ اسمٌ للبغالِ والخَيْلِ والحَمِيرِ، ولذلك لو وَصَّى إنسانٌ لرَجُلٍ بدَابَّةٍ من دَوابِّه، كان له أحَدُ هذه الثَّلاثِ، فالظَّاهِرُ أنّ يَمِينَ الحالِفِ تَنْصَرِفُ إلى العُرْفِ دونَ الحَقيقَةِ عندَ الإِطْلاقِ، كالذى قبلَه. ويحْتَمِلُ أَنْ تَتَناوَلَ يَمِينُه الحقيقَةَ؛ بِناءً على قولِهم فيما سَنَذْكُرُه، وعلى قولِ مَنْ قال فى الحالِفِ على تَرْكِ أكْلِ اللَّحْمِ: إِنَّ يَمِينَه تتناوَلُ السمَكَ. ومن هذا النَّوعِ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الرَّيْحان، فإنَّه فى العُرْفِ اسمٌ يَخْتَصُّ (١٨) بالرَّيْحان الفارِسِىِّ، وهو فى الحقيقَةِ اسمٌ لكُلِّ نَبْتٍ أو زَهْرٍ طَيِّبِ الرِّيحِ، مثل الوَرْدِ والبَنَفْسَجِ والنَّرْجسِ. وقال القاضى: لا يَحْنَثُ إِلَّا بشَمِّ الرَّيْحانِ الفارِسِىِّ. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ، لأَنَّ الحالِفَ لا يُرِيدُ بيَمِينِه فى الظَّاهِرِ سِوَاهُ. وقال أبو الخطَّاب: يَحْنَثُ بشَمِّ ما يُسَمَّى فى الحقيقَةِ رَيْحانًا؛ لأَنَّ الاسْمَ يتناوَلُه حَقِيقَةً. ولا يَحْنَثُ بشمِّ الفاكِهةِ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنّها لا تُسَمَّى رَيْحانًا حَقِيقَةً ولا عُرْفًا. ومن هذا لو حَلَفَ لا يَشُمُّ وَرْدًا، ولابنَفْسَجًا، فشمَّ دُهْنَ البَنَفْسَجِ، وماءَ الوَرْدِ، فقال القاضِى: لا يَحْنَثُ. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأَنَّه لم يَشُمّ وَرْدًا ولا بَنَفْسَجًا. وقال أبو الخَطَّاب: يَحْنَثُ؛ لأنَّ الشَّمَّ إنَّما هو للرَّائِحَةِ دونَ الذاتِ، ورائِحَةُ الوَرْدِ والبَنَفْسَجِ مَوْجُودَةٌ فيهما. وقال أبو حنيفةَ: يَحْنَثُ بشَمِّ دُهْنِ البَنَفْسَجِ؛ لأنَّه يُسَمَّى بَنَفْسَجًا، ولا يَحْنَثُ بشَمِّ ماءِ الوَرْدِ؛ لأنَّه لا يُسَمَّى وَرْدًا، والأَوَّلُ أقْرَبُ إلى الصِّحَّةِ، إِنْ شاءَ اللَّهُ تعالى. وإِنْ شَمَّ الوَرْدَ والبنَفْسَجَ اليابِسَ، حَنِثَ. وقال بعضُ أصحابِ الشافِعِىِّ: لا يَحْنَثُ، كما لو حَلَفَ لا يأكُلُ رُطَبًا، فأكلَ تَمْرًا. ولَنا، أَنَّ [هذا اسْمُه و] (١٩) حَقِيقَتُه باقِيَةٌ، فيَحْنَثُ (٢٠) به، كما لو حَلَفَ لا يَأْكُلُ لَحْمًا، فأَكَلَ قَدِيدًا، وفارقَ ما ذَكَرُوه، فإِنَّ التَّمْرَ ليس [برُطَبٍ، ولا يُسَمَّى] (١٩)، رُطَبًا. وإِنْ حَلَفَ لا يأكُلُ شِوَاءً، حَنِثَ بأَكْلِ


(١٦) سورة هود ٦.
(١٧) سورة الأنفال ٥٥.
(١٨) فى م: "مختص".
(١٩) سقط من: م.
(٢٠) فى م: "فحنث".

<<  <  ج: ص:  >  >>