للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدِ اللهِ. إنَّ ابْن رَاهُويَه يقولُ: لو أنَّ رَجُلًا تركَ الصلاةَ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في التَّشَهُّدِ، بطَلَتْ صلاتُهُ. قال: ما أجْتَرِىءُ أنْ أقولَ هذا. وقال في موضِعٍ: هذا شُذُوذٌ. وهذَا يَدُلُّ على أنَّه لم يُوجِبها. وهذا قولُ مالكٍ، والثورِىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ، وأكثرِ أهلِ العِلْمِ. قال ابْنُ المُنذِر: هو قولُ جُمُلِ (١) أهْلِ العِلْمِ إلَّا الشَّافعِىَّ. وكان إسحاقُ يقولُ: لَا يُجْزِئُهُ إذا تَرَكَ ذلك عامِدًا. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وبالقَوْلِ الأوَّلِ أقولُ؛ لأنَّنِى لا أَجِدُ الدَّلَالَةَ مَوْجُودَةً في إيجابِ الإِعَادَةِ عليه. واحْتَجُّوا بحديثِ ابْنِ مسعودٍ (٢): أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، ثم قال: "إذَا قُلْتَ هَذَا - أوْ قَضَيْتَ هَذَا - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ". وفى لفظٍ: "وقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، فَإنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وإنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ". رَوَاهُ أبو داوُد (٣). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ". رَوَاهُ مسلمٌ (٤). أمَرَ (٥) بالاسْتِعَاذَةِ عَقِيبَ التَّشَهُّدِ مِن غيرِ فَصْلٍ. ولأنَّ الصحابَةَ كانوا يقولُونَ في التَّشَهُّدِ قولًا، فَنَقَلهم عنه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى التَّشَهُّدِ وحده، فَدَلَّ على أنَّه لا يَجِبُ غيرُه، ولأن الوُجُوبَ مِن الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ بِإيجَابِه. وظَاهِرُ مَذْهَبِ أحمدَ رحمَه اللَّه وُجُوبُه؛ فإنَّ أبا زُرْعَةَ الدِّمَشْقِىَّ (٦) نقَل عن أحمدَ، أنَّه قال: كُنْتُ أَتَهَيَّبُ ذلك، ثم تَبَيَّنْتُ، فإذا الصلاةُ واجبَةٌ. فَظَاهِرُ هذا أنَّه رَجَعَ عن قولِهِ الأوَّل إلى هذا؛ لما رَوَى كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ، قال: إنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَرَج علينا فَقُلْنَا:


(١) في م: "جل". وجمل، كصُحُف: الجماعة مِنَّا.
(٢) تقدم حديث ابن مسعود، في صفحة ٢٢١.
(٣) في: باب التشهد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٢٢.
(٤) في: باب ما يستعاذ منه في الصلاة، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم ١/ ٤١٢. كما أخرجه النسائي، في: باب نوع آخر من التعوذ في الصلاة، من كتاب السهو. المجتبى ٣/ ٤٩. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٤٧٧.
(٥) في م: "أمرنا".
(٦) أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان البصري الدمشقي، حافظ، عالم بالحديث والرجال، سمع من الإمام أحمد مسائل مشبعة محكمة، وتوفى سنة ثمانين ومائتين. طبقات الحنابلة ١/ ٢٠٥، ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>