للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخْتُومٍ. فاتَّخذَ الخاتَمَ (٥). واقْتصارُه على الكِتابِ دونَ الخَتْمِ، دليلٌ على أنَّ الخَتْمَ ليس بشَرْطٍ فى القَبولِ، وإنَّما فعلَه النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقْرَأُوا كتابَه، ولأنَّهما شَهِدَا بما فى الكتابِ وعَرَفا ما فيه، فوجَبَ قَبولُه، كما لو وَصلَ مَخْتُومًا وشَهِدَا بالخَتْمِ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه إنما يُعْتبَرُ ضَبْطُهما لمعنَى الكتابِ، وما يتعلَّقُ به الحُكْمُ. قال الأثْرَمُ: سمِعتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْأَلُ عن قومٍ شهِدُوا على صحيفةٍ، وبعضُهم يَنْظُرُ فيها، وبعضُهم لا ينْظُرُ؟ قال: إذا حفِظَ فَلْيَشْهَدْ. قِيلَ: كيف يَحْفَظُ، وهو كلامٌ كثيرٌ! قالَ: يَحْفَظُ ما كانَ عليه الكلامُ والوَضْعُ. قُلْتُ: يَحْفَظُ المعنَى؟ قال: نعم. قيل له: والحدودَ والثَّمنَ وأشْباهَ ذلك؟ قال: نعم. ولو أدرجَ الكتابَ وختَمَه، وقال (٦): هذا كِتابى، اشْهَدَا (٧) علىَّ بما فيه. أو قال (٨): أشْهَدْتُكما على نفسِى بما فيه. لم يصِحَّ هذا التَّحمُّلُ. وبه قالَ أبو حنيفةَ، والشافعىُّ. وقال أبو يوسفَ: إذا خَتَمَه بخَتْمِه وعُنْوانِه، جازَ أن يتحَمَّلا (٩) الشَّهادةَ عليه مُدْرَجًا، فإذا وصلَ الكتابُ شَهِدَا عندَه أنَّه كتابُ فُلانٍ. ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ هذا؛ لأنَّهما شَهِدَا بما فى الكتابِ، فجازَ، وإنْ لم يعْرِفا (١٠) تفصِيلَه، كما لو شَهِدَا (١١) بما فى هذا الكِيسِ من الدَّراهمِ، جازت شهادَتُهما (١٢)، وإن لم يَعْرِفا قَدْرَها. ولَنا، أَنَّهما شَهِدَا بمَجْهولٍ لا يَعْلَمانِه، فلم تَصِحَّ شهادتُهما، كما لو شَهِدَا أنَّ لفُلانٍ على فُلانٍ مالًا. وفارَقَ ما ذكرَه، فإنَّ تعْيِينَه الدَّراهِمَ التى فى الكِيس أغْنَى عن مَعْرفةِ قَدْرِها، وهاهُنا الشهادةُ على ما فى الكتابِ دُونَ الكتابِ، وهما لا يَعْرِفانِه. الشَّرْطُ الثانى، أن يَكْتُبَه القاضى مِن مَوْضعِ وِلايَتِه وعَمَلِه (١٣)، فإن كتَبَه مِن غيرِ وِلايَتِه، لم يَسُغْ قَبولُه؛ لأنَّه لا يسُوغُ له فى غيرِ وِلايَتِه حُكمٌ، فهو فيه


(٥) انظر: ما أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى اتخاذ الخاتم، من كتاب الخاتم. سنن أبى داود ٢/ ٤٠٥.
(٦) سقطت الواو من: م.
(٧) فى الأصل: "اشهدوا".
(٨) فى ب، م: "قد".
(٩) فى الأصل: "يتحمل".
(١٠) فى ب، م: "يعلما".
(١١) فى م زيادة: "لرجل".
(١٢) فى م: "الشهادة".
(١٣) فى م: "وحكمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>