للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُه ذلك مع الاشْتراكِ، فوجَبَ أن يُجْبَرَ الآخَرُ عليه؛ لقولِه عليه السلام: "لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ". إذا ثبتَ هذا، فقد اخْتُلِفَ (١١) في الضَّررِ المانعِ من القِسْمةِ، ففى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، هو ما لا يُمْكنُ معه انْتِفاعُ أحدِهما بنَصِيبِه مُفْرَدًا، فيما كان يَنْتَفعُ به مع الشَّرِكةِ، مثلَ أن تكونَ بينهما دارٌ صغيرةٌ، إذا قُسِمَتْ أصابَ كلُّ واحدٍ منهما مَوْضِعًا ضَيِّقًا لا ينْتَفِعُ به. [ولو أمْكَنَ أن يَنْتفِعَ به في شىءٍ غيرِ الدَّارِ، ولا يُمْكنُ أن يَنْتفِعَ به] (١٢) دارًا، لم يُجْبَرْ على القِسْمةِ أيضًا؛ لأنَّه ضررٌ يَجْرِى مَجْرَى الإتْلافِ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخرَى، أنَّ المانِعَ هو أن تَنْقُصَ قيمةُ نَصِيبِ أحدِهما بالقِسْمةِ عن حالِ الشَّرِكةِ، وسواءٌ (١٣) انْتفعُوا به مَقْسُومًا أو لم يَنْتَفِعُوا. وقال القاضي: هذا ظاهرُ كلامِ أحمدَ؛ لأنَّه قال، في روايةِ المَيْمُونىِّ: إذا قال بعضُهم يَقْسِمُ وبعضُهم لا يَقْسِمُ، فإن كان فيه نُقْصانٌ مِن ثَمَنِه، بِيعَ، وأُعْطُوا الثَّمنَ. فاعْتَبَر نُقْصانَ الثَّمنِ. وهذا ظاهرُ كلامِ الشافعيِّ؛ لأنَّ نَقْصَ قِيمَتِه ضَررٌ، والضَّررُ مَنْفِيٌّ شرعًا. وقال مالكٌ: يُجْبَرُ المُمْتنِعُ وإن اسْتضَرَّ، قياسًا على ما لا ضَرَرَ فيه. ولا يَصِحُّ؛ لقولِه عليه السلام: "لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ". ولأنَّ في قِسْمَتِه ضَرَرًا، فلم يُجْبَرْ عليه، كقِسْمَةِ الجَوهرةِ بكَسْرِها، ولأنَّ في قِسْمَتِه إضاعةً للمالِ، وقد نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إضاعتِه (١٤). ولا يصِحُّ القِياسُ على ما لا ضررَ فيه؛ لما بينَهما مِن الفَرْقِ، فإن كان أحدُ الشَّريكينِ يَسْتضِرُّ بالقِسمةِ دونَ الآخرِ؛ كرجليْن بينهما دارٌ، لأحدِهما ثُلثاها، وللآخرِ ثُلثُها، فإذا قَسَماها (١٥) اسْتضَرَّ صاحبُ الثُّلثِ؛ لكَوْنِه لا يَحْصُلُ له ما يكونُ دارًا، ولا يسْتضِرُّ الآخَرُ؛ لأنَّه يَبْقَى له ما يَصِيرُ دارًا مُفْرَدةً، فطلبَ صاحبُ الثُّلثينِ القِسْمَةَ، لم يُجْبَرِ الآخَرُ عليها. ذكرَه أبو الخطَّاب. وهو (١٦) ظاهرُ كلامِ أحمدَ، في روايةِ حَنْبَلٍ، قال: كلُّ قِسْمَةٍ فيها ضَررٌ، لا أرَى قَسْمَها (١٧). وهذا قولُ ابنِ أبى ليلى، وأبى ثَوْرٍ. وقال


(١١) في م: "اختلفوا".
(١٢) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(١٣) سقطت الواو من: م.
(١٤) تقدم تخريجه، في: ٦/ ٥١٦.
(١٥) في الأصل: "قسمها".
(١٦) سقط من: أ، م.
(١٧) في ب، م: "قسمتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>