للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغيرِهم. ولأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى الشَّهادةِ لحُصولِ التَّجاحُدِ بين الناسِ، فوجبَ الرُّجوعُ إليها. قال شُرَيْحٌ: القَضاءُ جَمْرٌ، فنَحِّهِ عنك بعُودَيْنِ (٧). يعنى الشَّاهديْنِ. وإنَّما الخصْمُ داءٌ، والشُّهودُ شِفاءٌ، فأفْرِغِ الشِّفاءَ على الدَّاءِ (٧).

فصل: وتحمُّلُ الشَّهادةِ وأداؤُها فَرْضٌ على الكِفايةِ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (٨). وقال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (٩). وإنَّما خَصَّ القلبَ بالإِثْمِ؛ لأنَّه مَوْضعُ العِلْمِ بها، ولأنَّ الشَّهادةَ أمانةٌ، فلزِمَ أداؤُها، كسائرِ الأماناتِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإن دُعِىَ إلى تَحمُّلِ شهادةٍ فى نِكاحٍ أو دَيْنٍ أو غيرِه، لَزِمَتْه الإجابةُ، وإن كانتْ عندَه شَهادةٌ فدُعِىَ إلى أدائها، لَزِمه ذلك، فإن قامَ بالفَرْضِ فى التَّحَمُّلِ أو الأداءِ اثنان، سَقَطَ عن الجميعِ، وإن امْتَنعَ الكُلُّ أثِمُوا، وإنَّما يأْثَمُ المُمْتنِعُ إذا لم يكُنْ عليه ضَرَرٌ، وكانتْ شَهادتُه تَنْفَعُ، فإن كان عليه ضَرَرٌ فى التَّحمُّلِ أو الأداءِ، أو كان ممَّن لا تُقْبَلُ شهادتُه، أو يَحْتاجُ إلى التَّبذُّلِ فى التَّزْكِيَةِ ونحوِها، لم يَلْزَمْه؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (٨). وقولِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ" (١٠). ولأنَّه لا يَلْزَمُه أن يَضُرَّ نفسَه لينْتَفِعَ (١١) غيرُه. وإذا كانَ ممَّن لا تُقْبَلُ شهادتُه، لم يجِبْ عليه؛ لأنَّ مَقْصودَ الشَّهادةِ لا يحْصُلُ منه. وهل يأْثَمُ بالامْتِناعِ إذا وُجِدَ غيرُه ممَّن يقومُ مَقامَه؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يأْثَمُ؛ لأنَّه قد تعيَّنَ بدُعائِه، ولأنَّه مَنْهِىٌّ عن الامْتناعِ بقولِه: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}. والثانى، لا يأْثَمُ؛ لأنَّ غيرَه يقومُ مَقامَه، فلا (١٢) يَتعيَّنُ فى حقِّه، كما لو لم يُدْعَ إليها. فأمَّا قولُ اللهِ تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ}. فقد رُوِىَ (١٣) بالفَتْحِ والرَّفْعِ، فمَن رفَعَ فهو خبرٌ، معناه النَّهْىُ،


(٧) انظر: أخبار القضاة، لوكيع ٢/ ٢٨٩.
(٨) سورة البقرة ٢٨٢.
(٩) سورة البقرة ٢٨٣.
(١٠) فى م: "ضرار". وتقدم تخريجه، فى: ٤/ ١٤٠.
(١١) فى ب، م: "لنفع".
(١٢) فى ب، م: "فلم".
(١٣) فى م: "قرىء".

<<  <  ج: ص:  >  >>