للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصْحابُ الرَّأىِ. واتَّفقَ هؤلاء وغيرُهم على أنَّها تَثْبُتُ بشهادةِ رَجُليْنِ، ما خَلَا الزِّنَى، إلَّا الحسنَ؛ فإنَّه قال: الشَّهادةُ على القتلِ، كالشَّهادةِ على الزِّنَى؛ لأنَّه يتعلَّقُ به إتْلافُ النَّفْسِ، فأشْبَهَ الزِّنَى. ولَنا، أنَّه أحدُ نَوْعَىِ القِصاصِ، فأشْبَهَ القِصاصَ فى الطَّرَفِ، وما ذكرَه مِن الوَصْفِ لا أثرَ له، فإن الزِّنَى المُوجِبَ للحدِّ لا يَثْبُتُ إلَّا بأربعةٍ، ولأنَّ حدَّ الزِّنَى حقٌّ للهِ تعالى يُقْبَلُ الرُّجوعُ عن الإقْرارِ به. ويُعْتَبرُ فى شُهداءِ هذا النَّوْعِ من الحُرِّيَّةِ والذُّكُورِيَّةِ والإسْلامِ والعَدالةِ، ما يُعْتَبرُ فى شُهَداءِ الزِّنَى، على ما سنَذْكرُه، إن شاء اللهُ تعالى. الثانى، ما ليس بعُقوبةٍ كالنِّكاحِ، والرَّجْعةِ، والطَّلاقِ، والعَتاقِ، والإيلاءِ، والظِّهارِ، والنَّسبِ، والتَّوكيلِ، والوَصِيَّةِ إليه، والوَلاءِ، والكِتابةِ، وأشْباهِ هذا. فقال القاضى: المُعَوَّلُ (٣) عليه فى المذهب، أنَّ هذا لا يثْبُتُ إلَّا بشاهِدَيْنِ ذكَرَيْنِ، ولا تُقْبَلُ فيه شهادةُ النِّساءِ بحالٍ. وقد نَصَّ أحمدُ، فى روايةِ الجماعةِ، على أنَّه لا تجوزُ شَهادةُ النِّساءِ فى النِّكاحِ والطَّلاقِ. وقد نُقلَ عن أحمدَ، فى الوَكالةِ: إن كانتْ بمُطالَبةِ دَينٍ -يعنى تُقْبَلُ فيه شَهادةُ رجلٍ وامرأتيْنِ- فأمَّا غيرُ ذلك فلا. ووجهُ ذلك؛ أنَّ الوَكالةَ فى اقْتضاءِ الدَّينِ يُقْصَدُ منها المالُ، فيُقْبَلُ فيها شهادةُ رجلٍ وامرأتيْن، كالحَوالَةِ. قال القاضى: فيُخرَّجُ مِن هذا، أنَّ النِّكاحَ وحُقوقَه، مِن الرَّجعةِ وشِبهِها، لا تُقْبَلُ فيها شهادةُ النِّساءِ، روايةً واحدةً، وما عَداه يُخرَّجُ على روايَتَيْنِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يُخرَّجُ فى النِّكاحِ والعَتاقِ أيضًا رِوَايتان؛ إحداهما، لا تُقبلُ فيه إلَّا شَهادةُ رجليْنِ. وهو قولُ النَّخَعىِّ، والزُّهْرىِّ، ومالكٍ، وأهلِ المدينةِ، والشَّافعىِّ. وهو قولُ سعيدِ بنِ المُسيَّبِ، والحسنِ، وربيعةَ، فى الطَّلاقِ. والثانية، تُقْبَلُ فيه شهادةُ رَجُليْنِ وامرأتَيْنِ. رُوِىَ ذلك عن جابرِ بنِ زيدٍ، وإياسِ ابنِ مُعاويةَ، والشَّعْبىِّ، والثَّوْرِىِّ، وإسْحاقَ، وأصحابِ الرَّأْىِ. ورُوىَ ذلك فى النِّكاحِ عن عَطاءٍ. واحْتجُّوا بأنَّه لا يَسْقُطُ بالشُّبْهةِ، فيثْبُتُ برجلٍ وامرأتيْنِ، كالمالِ. ولَنا، أنَّه ليس بمالٍ، ولا يُقْصَدُ (٤) منه المالُ، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ، فلم يكُنْ للنِّساءِ فى


(٣) فى ب: "المعمول".
(٤) فى ب، م: "المقصود".

<<  <  ج: ص:  >  >>