للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَشَهادتُنا أحَقُّ مِن شَهادتِهما، وإنّ الجامَ لصاحبِهم. فنزلَتْ فيهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية. وعن الشَّعْبىِّ أن رَجلًا مِن المُسلمين حَضَرتْه الوَفاةُ بِدَقُوقُا (٩)، ولم يَجِدْ أحدًا من المُسلمين يُشْهِدُه على وَصيَّتِه، فأشْهدَ رجلَينِ مِن أهلِ الكِتابِ، فقَدِما الكُوفةَ، فأَتَيا الأشْعَرِىَّ، فأَخْبَراه، وقَدِما بتَرِكَتِه ووَصيَّتِه، فقالَ الأشْعَرىُّ: هذا أمرٌ لم يَكُنْ بعدَ الذى كان فى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأحْلَفَهما بعدَ العَصرِ ما خانا، ولا كَذَبَا، ولا بَدَّلا، ولا كَتَما، ولا غَيَّرا، وأنَّها لَوَصَّةُ الرّجلِ، وتَرِكَتُه، فأمْضَى شَهادتَهما. روَاهُما أبو دَاودَ، فى "سُنَنِه" (١٠). ورَوَى الْخَلَّالُ حديثَ أبى موسى بإسْنادِه. وحَمْلُ الآيةِ على أنَّه أرادَ مِن غيرِ عشيرَتِكمِ، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الآيةَ نزلَتْ فى قِصَّةِ (١١) عَدَىٍّ وتَمِيمٍ، بلا خِلافِ بين المُفَسِّرينَ، وقد فسَّرَهَا بما قُلنا سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، وابُن سِيرِينَ، وعَبِيدةُ، وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ، والشَّعْبىُّ، وسُليمانُ التَّيمىُّ، وغيرُهم، ودلَّتْ عليه الأحاديثُ التى رَوَيناها. ولأنَّه لو صَحَّ ما ذكروه، لم تَجِبِ الأَيْمان؛ لأنَّ الشَّاهديْنِ من (١٢) المسلمِينَ لا قَسَامَةَ عليهم. وحَمْلُها على التَّحمُّلِ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّه أمرَ بإحْلافِهم، ولا أيْمانَ فى التَّحمُّلِ. وحَمْلُها على اليَمينِ لا يَصِحُّ؛ لقولِه: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ}. الآية. ولأنه عَطفَها على ذَوِىِ العَدْلِ من المُؤمنينَ، وهما شَاهِدان. ورَوَى أبو عُبَيد، فى "النَّاسخِ والمَنْسوخِ" (١٣) أَنَّ ابنَ مَسعودٍ قَضَى بذلك فى زَمنِ عُثمانَ. قال أحمدُ: أهلُ المَدينةِ ليس عِندَهم حديثُ أبى مُوسى، مِن أين يَعْرِفونَه؟ فقد ثَبَتَ هذا الحُكمُ بكتابِ اللَّهِ، وقَضاءِ رَسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقَضاءِ الصَّحابةِ به (١٤)، وعمَلِهم بما ثَبَتَ (١٤) فى الكِتابِ والسُّنَّةِ، فتَعيَّنَ المَصِيرُ إليه،


(٩) دقوقا: مدينة بين إربل وبغداد. معجم البلدان ٢/ ٥٨١.
(١٠) فى: باب شهادة أهل الذمة .. .، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود ٢/ ٢٧٦.
وأخرج الأول الترمذى، فى: باب تفسير سورة المائدة، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١١/ ١٨٢ - ١٨٤.
(١١) فى أ، ب، م: "قضية".
(١٢) سقط من: أ.
(١٣) الناسخ والمنسوخ ٢١٣ - ٢١٥.
(١٤) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>