للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشَّافعىُّ: لا تُقْبَلُ شَهادتُه. ورُوِىَ ذلك عن النَّخَعىِّ، وأبى هاشمٍ، واخْتُلِفَ فيه (١) عن (٢) الحسنِ، وإياسٍ، وابنِ أبى ليلَى. وأجازَ الشَّافعىُّ شَهادتَه بالاسْتِفاضَةِ والتَّرْجَمَةِ، وإذا أقرَّ عندَ أُذُنِه ويَدُ الأعْمَى على رأسِه، ثم ضبَطَه حتى حضرَ عندَ الحاكمِ، فشَهِدَ عليه، ولم يُجِزْها فى غيرِ ذلك؛ لأنَّ مَن لا تجوزُ شهادتُه على الأفْعالِ، لا تجوزُ على الأَقْوالِ، كالصَّبِىِّ، ولأنَّ الأصْوَاتَ تَشْتَبِهُ، فلا يَحْصُلُ اليقينُ، فلم يَجُزْ أن يشْهدَ بها، كالخَطِّ. ولَنا، قولُه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (٣). وسائرُ الآياتِ فى الشَّهادةِ، ولأنَّه رَجلٌ عَدلٌ مَقْبولُ الرِّوايةِ، فقُبِلَتْ شهادتُه، كالبَصيرِ، وفارَقَ الصَّبِىَّ، فإنَّه ليس برَجلٍ ولا عَدْلٍ ولا مَقْبولِ الرِّوايةِ، ولأنَّ السَّمعَ أحدُ الحواسِّ التى يَحْصُلُ بها اليقينُ، وقد يكونُ المشهودُ عليه مَن أَلِفَه الأعْمَى، وكثُرَتْ صُحْبتُه له، وعَرَفَ صَوْتَه يَقِينًا، فيَجِبُ أن تُقْبَلَ شهادتُه فيما تَيَقَّنَه، كالبَصِيرِ، ولا سَبيلَ إلى إنْكارِ حُصولِ اليَقينِ فى بعض الأحْوالِ. قال قَتادةُ: للسَّمعِ قِيافَةٌ كقِيافَةِ البَصرِ. ولهذا قال أصحابُ الشَّافعىِّ: تُقْبَلُ شَهادتُه فيما يَثْبُتُ بالاسْتِفاضةِ، ولا يَثْبُتُ عندَهم حتى يَسْمَعها مِن عَدْلَيْنِ، ولابُدَّ أن يعْرِفَهما حتى يَعْرِفَ عَدالتَهما، فإذا صَحَّ أن يعْرِفَ الشاهِدَيْنِ، صَحَّ أن يَعْرِفَ المُقِرَّ. ولا خِلافَ فى قَبُولِ رِوَايتِه، وجَوازِ اسْتِماعِه من زَوْجتِه إذا عرَفَ صَوْتَها، وصِحَّةِ قَبولِه لِلنِّكاحِ (٤)، وجوازُ اشْتباهِ (٥) الأصْواتِ، كجَوازِ اشْتباهِ الصُّوَرِ، وفارَقَ الأفْعالَ؛ فإنَّ مَدْرَكَها الرُّؤْيَةُ، وهى غيرُ مُمْكِنةٍ مِن الأعْمَى، والأقْوالُ مُدْرَكُها السَّمْعُ، وهو يُشارِكُ (٦) البَصيرَ فيه، وربَّما زادَ عليه، ويُفارِقُ الخطَّ، فإنَّه لو تَيقَّنَ مَن كَتبَ الخطَّ، أو رآهُ وهو يَكتُبُه، لم يَجُزْ أن يَشْهَدَ بما كتبَ فيه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا يجوزُ أن يَشْهدَ إِلَّا إذا تَيقَّنَ الصَّوْتَ، وعَلِمَ المشْهودَ عليهَ يَقينًا. فإن جَوَّزَ أن يكونَ صَوتَ غيرِه، لم يَجُزْ أن يَشْهَدَ به، كما لو اشْتبَهَ على البَصيرِ المَشْهودُ عليه، فلم يَعْرِفْه.


(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: أ.
(٣) سورة البقرة ٢٨٢.
(٤) فى م: "النكاح".
(٥) فى الأصل: "الاشتباه فى".
(٦) فى أ: "مشارك".

<<  <  ج: ص:  >  >>