للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكَمالِ لا تَتَبعَّضُ، فلم يَدْخُلْ فيها العبدُ، كالميراثِ. وقال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ: تُقْبَلُ فى الشَّىْءِ اليَسيرِ. ولَنا، عمومُ آياتِ الشَّهادةِ، وهو داخل فيها، فإنَّه مِن رِجالِنا، وهو عَدْل تُقْبَلُ رِوايتُه وفُتْياه وأخْبارُه الدِّينيَّةُ. ورَوَى عُقبةُ بنُ الحارثِ، قال: تَزوَّجتُ أُمَّ يَحيى بنتَ أبى إهابٍ، فجاءَتْ أُمة سَوداءُ، فقالَتْ: قد أرْضَعتُكما. فذكرْتُ ذلك لرسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالَ: "كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ؟ ". مُتَّفَقٌ عليه (٢). وفى رواية أبى داودَ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّها لَكاذِبة. قال: "وَمَا يُدْرِيكَ، وَقَدْ قَالَتْ مَا قَالَتْ، دَعْهَا عَنْكَ". ولأنَّه عَدْل غيرُ مُتَّهَمٍ، فتُقْبَلُ شَهادتُه، كالحُرِّ. ولا نُسلِّمُ أنَّه غيرُ ذى مُروءةٍ، فإنَّه كالحُرِّ ينْقَسِمُ إلى مَن له مُروءةٌ، ومَن لا مُروءةَ له، وقد يكونُ منهم الأمراءُ والعُلَماءُ والصَّالحونَ والأتْقياءُ. سُئلَ إياسُ بنُ مَعاويةَ، عن شَهادةِ العبدِ (٣)، فقال: أنا أرُدُّ شَهادةَ عبدِ العزيزِ بنِ صُهَيْب (٤)! وكان منهم زِيادٌ مَوْلَى [ابنِ عَيَّاشٍ] (٥)، من العُلماءِ الزُّهَّادِ، وكان عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يَرفعُ قدرَه، ويُكرِمُه. ومنهم عِكْرِمةُ مولَى ابنِ عبَّاسٍ، أحدُ العلماءِ الثِّقاتِ. وكثيرٌ من العُلماءِ الموالى كانوا عبيدًا، أو أبْناءَ عَبيدٍ، لم يَحْدُثْ فيهم بالإِعْتاقِ إِلَّا الحُرِّيَّةُ، والحرِّيَّةُ لا تُغَيِّرُ طَبْعًا، ولا تُحْدِثُ عِلْمًا، [ولا دِينًا] (٦)، ولا مُروءَةً، ولا يُقْبَلُ منهم إلا مَن كان ذَا مُروءَةٍ. ولا يَصحُّ قياسُ الشَّهادَةِ على المِيراثِ، [فإِنَّ المِيراثَ] (٧) خِلافَةٌ للمَوروثِ فى مالِه وحُقوقِه، والعَبْدُ لا يُمْكِنُه الخِلافةُ؛ لأنَّ ما يَصيرُ إليه يَمْلِكُه سيِّدُه، فلا يُمْكِنُ أن يُخْلَف فيه (٨)، ولأنَّ الميراثَ يَقْتَضِى التَّمْليكَ، والعَبدُ لا يَمْلِكُ، ومَبْنَى الشَّهادةِ على العَدالةِ التى هى مَظِنَّةُ الصِّدْقِ، وحُصولِ الثِّقَةِ من القَوْلِ، والعبدُ أهلٌ لذلك، فوجَبَ أن تُقْبَلَ شَهادتُه.


(٢) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٣١٠.
(٣) فى م: "العبيد".
(٤) البنانى مولاهم، البصرى الأعمى، ثقة، توفى سنة ثلاثين ومائة. تهذيب الهذيب ٦/ ٣٤١، ٣٤٢.
(٥) فى الأصل: "مولى ابن أبى عياش". وفى م: "مولى ابن عباس". وهو زياد بن أبى زياد ميسرة المخزومى، مولى عبد اللَّه بن عياش، ثقة، عابد، زاهد، توفى سنة خمس وثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب ٣/ ٣٦٧، ٣٦٨.
(٦) سقط من: م.
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) فى م زيادة: "الميراث".

<<  <  ج: ص:  >  >>