للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شىءَ عليه مِن إثْمٍ ولا غيرِه؛ لأنَّ اللَّه تعالى شرَعَ اليَمِينَ، ولا يَشْرَعُ مُحَرَّمًا. وقد أمرَ اللَّهُ تعالى نَبِيَّه، عليه السلامُ، أن يُقْسِمَ على الحقِّ، فى ثلاثةِ مَواضِعَ مِن كتابِه. وحلفَ عمرُ لأُبَىٍّ على نَخيلٍ، ثم وَهَبَه له، وقال: خِفْتُ إن لم أحْلِفْ أن يَمْتنِعَ الناسُ من الحَلِفِ على حُقوقِهم، فتَصِيرَ سُنَّةً (١٣). قال حَنْبَلٌ: بُلِىَ أبو عبدِ اللَّهِ بنحو هذا، جاءَ إليه ابنُ عمِّه، فقال: لى قِبَلَكَ حقٌّ من ميراثِ أبى، وأُطالِبُك بالقاضى، وأحَلِّفُك. فقيل لأبى عبدِ اللَّهِ: ما تَرَى؟ قال: أحْلِفُ له، إذا لم يكُنْ له قِبَلى حَقٌّ، وأنا غيرُ شاكٍّ فى ذلك، حَلَفتُ له، كيفَ لا أحْلِفُ، وعمرُ (١٤) قد حلَفَ، وأنا مَن أنا؟ وعزمَ أبو عبدِ اللَّهِ على اليَمِينِ، فكَفَاه اللَّهُ ذلك، ورجَعَ الغلامُ عن تلكَ المُطالَبةِ. واختُلِفَ فى الأَوْلَى، فقالَ قومٌ: الحَلِفُ أوْلَى من افْتداءِ يَمِينِه؛ لأنَّ عمرَ حَلَفَ؛ ولأنَّ فى الحَلِفِ فائدتَيْنِ؛ إحداهما، حِفْظُ مالِه عن الضَّياعِ، وقد نَهَى النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إضاعتِه (١٥). والثانية، تخْليصُ أخيه الظَّالمِ مِن ظُلْمِه، وأكلِ المالِ بغيرِ حَقِّه، وهذا من نَصِيحتِه ونُصْرتِه بكَفِّه عن ظُلمِه (١٦)، وقد أشارَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على رجلٍ أن يَحْلِفَ ويأْخُذَ حقَّه (١٧). وقال أصْحابُنا: الأفْضَلُ افتْداءُ يَمِينِه؛ فإِنَّ عثمانَ افْتدَى يَمِينَه، وقال: خِفْتُ أن تُصادِفَ قَدرًا، فيقالُ: حلَفَ فعُوقِبَ، أو هذا شُؤْمُ يَمِينِه (١٨). وروَى الخلَّالُ، بإسنادِه، أَنَّ حُذَيفَةَ عرَفَ جَمَلًا سُرِقَ له، فخاصَمَ فيه إلى قاضِى المُسلمين، فصارَتِ اليَمِينُ على حُذَيْفةَ، فقال: لك عَشرةُ دَراهمَ. فأبَى، فقال [لك عِشرون، فأبَى، فقال: ] (١٩) لك ثَلاثون. فأبَى، فقال: لك أرْبَعونَ. فأبَى، فقال حُذَيفةُ: أَتُرانِى أتْرُكُ جَمَلى؟ فحلَفَ باللَّهِ أنَّه له ما باعَ ولا وَهَبَ (٢٠). ولأنَّ فى اليَمِينِ عند الحاكِم تَبذُّلًا، ولا يَأْمَنُ أن يُصادِفَ قَدَرًا، فيُنْسَبَ إلى


(١٣) تقدم تخريجه، فى: ١٣/ ٢٤٢.
(١٤) فى النسخ: "وابن عمر". وابن عمر لم يحلف كما جاء فى صفحة ٢٣٤ الآتية.
(١٥) تقدم تخريجه، فى: ٦/ ٥١٦.
(١٦) فى الأصل: "الظلم".
(١٧) انظر فى صفحة ٢٣٤ الآتية الحديث الذى أخرجه الدارقطنى، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ردَّ اليمين على طالب الحق.
(١٨) انظر ما تقدم فى: ١٣/ ٤٤٢.
(١٩) سقط من: الأصل، أ.
(٢٠) أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب الأقضية والأحكام وغير ذلك. سنن الدارقطنى ٤/ ٢٤٢. والبيهقى، فى: باب =

<<  <  ج: ص:  >  >>