للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّعاوَى؛ لما رُوِىَ عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَدَّ اليَمِينَ على طالبِ الحَقِّ. روَاه الدَّارَقُطْنِىُّ (٣٦)، ولأنَّه إذا نَكَلَ ظهرَ صِدْقُ المُدَّعِى، وقَوِىَ جانِبُه، فتُشْرَعُ اليَمِينُ فى حَقِّه، كالمُدَّعَى عليه قبلَ نُكولِه، وكالمُدَّعِى إذا شهِدَ له شاهدٌ واحدٌ، ولأنَّ النُّكوَل قد يكونُ لجَهلهِ بالحالِ، وتَورُّعِه عن الحَلِفِ على ما لا يتحقَّقُه، أو للخَوْفِ من عاقبةِ اليَمِينِ، أو تَرَفُّعًا عنها، مع عِلْمِه بصِدْقِه فى إنْكارِه، ولا يَتعيَّنُ بنُكولِه صِدْقُ المُدَّعِى، فلا يجوزُ الحُكْمُ له مِن غيرِ دَليلٍ، فإذا حلَفَ كانتْ يَمِينُه دليلًا عندَ عَدَمِ ما هو أقْوَى منها، كما فى مَوْضعِ الوِفاقِ. وقال ابنُ أبى ليلَى: لا أدَعُه حتى يُقِرَّ أو يَحْلِفَ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى (٣٧) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (٣٨). فحصَرَها فى جانِبِ المُدَّعَى عليه. وقولُه: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِى، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (٣٨). [فجعلَ جِنْسَ اليَمِينِ فى جَنَبةِ المُدَّعَى عليه] (٣٩)، كما جعلَ جِنْسَ البَيِّنةِ فى جَنَبةِ المُدَّعِى. وقال أحَمدُ: قدِمَ ابنُ عمرَ إلى عُثمانَ فى عبدٍ له، فقال له: احْلِفْ أنَّك ما بِعْتَه وبه عَيْبٌ عَلِمْته. فأبَى ابنُ عمرَ أن يَحْلِفَ، فرَدَّ العبدَ عليه، ولم يَرُدَّ اليَمِينَ على المُدَّعِى. ولأنَّها بَيِّنَةٌ فى المالِ، فحُكِمَ فيها بالنُّكولِ، كما لو ماتَ مَن لا وارثَ له، فوجدَ الإِمامُ فى دَفْتَرِه دَيْنًا له على إنسانٍ، فطالَبَه به، فأنْكرَه، وطلبَ منه اليَمِينَ، فأنْكَرَه، فإنَّه لا خلافَ أَنَّ اليَمِينَ لا تُرَدُّ. وقد ذكرَ أصْحابُ الشَّافعىِّ فى هذا، أنَّه يُقْضَى بالنُّكولِ، فى أحَدِ الوَجْهيْنِ، وفى الآخَرِ، يُحْبَسُ المُدَّعَى عليه، حتى يُقِرَّ، أو يَحْلِفَ. وكذلك لو ادَّعَى رجلٌ على ميِّتٍ أنَّه وَصَّى إليه بتَفْريقِ ثُلثِه، وأنْكرَ الورثةُ، ونَكَلُوا عن اليَمِينِ، قُضِىَ عليهم. والخبرُ لا تُعْرَفُ صِحَّتُه، ومُخالَفةُ ابنِ عمرَ له فى القصَّةِ التى ذكرْناها، تدُلُّ على ضَعْفِه، فإنَّه لم يَرُدَّ اليَمِينَ على المُدَّعِى، ولا ردَّها عثمانُ. فعلى هذا، إذا نكَلَ عن اليَمِينِ، قال له الحاكمُ: إن


(٣٦) فى: كتاب فى الأقضية والأحكام. سنن الدارقطنى ٤/ ٢١٣.
كما أخرجه الحاكم فى: كتاب الأحكام. المستدرك ٤/ ١٠٠. والبيهقى، فى: باب النكول ورد اليمين، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى ١٠/ ١٨٤.
(٣٧) فى ب، م زيادة: "جانب".
(٣٨) تقدم تخريجه، فى: ٦/ ٥٨٧.
(٣٩) سقط من: أ. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>