للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعلَّقُ به مِن دَعْوَى الرَّجْعَةِ والفَيْئَةِ فى الإِيلاءِ، ولا فى الرِّقِّ وما يتعلَّقُ به من الاسْتِيلادِ والوَلاءِ والنَّسبِ؛ لأنَّ هذه الأشياءَ لا يَدْخلُها البَدَلُ، وإنما تُعْرَضُ اليَمِين فيما يدْخلُه البَدَلُ؛ فإِنَّ المُدَّعَى عليه مُخَير بينَ أن يَحْلِفَ أو يُسَلِّمَ، ولأنَّ هذه الأشياءَ لا تَثْبُتُ إِلَّا بشاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ، فلا تُعْرَضُ فيها اليَمِينُ، كالحُدودِ. والروايةُ الثانيةُ، يُسْتَحْلَفُ فى الطَّلاقِ، والقِصاصِ، والقَذْفِ. وقال الْخِرَقىُّ: إذا قال: ارْتَجَعْتُكِ. فقالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتى قبلَ رَجْعَتِكَ. فالقولُ قولُها مع يَمِينِها. وإذا اختُلِفَ فى مُضِىِّ الأربعةِ أشْهُرٍ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه. فيخَرَّجُ مِن هذا، أنَّه يُسْتَحْلَفُ فى كلِّ حَق لآدمىٍّ. وهذا قولُ الشَّافعىِّ، وأبى يُوسفَ، ومحمدٍ؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ يُعْطى النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، ولَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ". أخرجَه مسلمٌ (٤٩). وهذا عامٌّ فى كلِّ مُدَّعًى عليه، وهو ظاهِرٌ فى دَعْوَى الدِّماءِ؛ لذِكْرِها فى الدَّعَوى مع عُمومِ الأحاديثِ، ولأنَّها دَعْوَى صَحيحةٌ فى حقٍّ لآدَمِىٍّ (٥٠)، فجازَ أَنْ يَحْلِفَ فيها المُدَّعَى عليه، كدَعْوَى المالِ. الضَّرْبُ الثانى، حقوقُ اللَّهِ تعالى، وهى نَوعان؛ أحدُهما، الحدودُ، فلا تُشْرَعُ فيها يَمِينٌ. لا نَعْلمُ فى هذا خِلافًا؛ لأنَّه لو أقَرَّ، ثم رجَعَ عن إقْرارِه، قُبِلَ منه، وخُلِّىَ من غيرِ يَمِينٍ، فَلأَنْ لا يُسْتحْلَفَ مع عَدَمِ الإِقْرارِ أوْلَى، ولأنَّه يُسْتحَبُّ سَتْرُه، والتَّعْريضُ للمُقِرِّ به، بالرُّجوعِ عن إقْرارِه، وللشُّهودِ بتَرْكِ الشَّهادةِ والسَّتْرِ عليه، قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لهَزَّالٍ، فى قصَّةِ ماعِزٍ: "يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْتَه بثَوْبِكَ، لَكَانَ خَيْرًا لَكَ" (٥١). فلا تُشْرَعُ فيه يَمِينٌ بحالٍ. النوعُ الثانى، الحقوقُ الماليَّةُ، كدَعْوَى السَّاعِى الزَّكاةَ على ربِّ المالِ، وأنَّ الحوَل قد تَمَّ كمَلَ النِّصابُ، فقال أحمدُ: القولُ قولُ ربِّ المالِ، من غيرِ يَمِينٍ، ولا يُسْتحْلَفُ الناسُ على صَدَقاتِهم. وقال الشافعىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ: يُسْتَحْلَفُ؛ لأنَّها دَعْوَى مَسْموعةٌ، أشْبَهَ حقَّ الآدَمِىِّ. ولَنا، أنَّه حقٌّ للَّهِ تعالى، أشْبَهَ الحدَّ، ولأن ذلك عبادةٌ، فلا يُسْتحلَفُ عليها، كالصَّلاةِ. ولو ادَّعى عليه، أَنَّ عليه كفَّارةَ يَمِينٍ أو ظِهارٍ، أو نَذْرَ صدقةٍ أو غيرِها، فاقولُ قولُه فى نَفْىِ ذلك مِن غيرِ


(٤٩) تقدم تخريجه، فى: ٦/ ٥٢٥.
(٥٠) فى أ: "آدمى".
(٥١) تقدم تخريجه، فى: ١٢/ ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>