للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمُ، فنُقِضَ الحكمُ، كما لو تَبيَّنَ أنَّهما كانا كافرَيْنِ. ولَنا، أَنَّ حقَّ المشْهودِ له وجبَ له، فلا يَسْقُطُ بقولِهما، كما لو ادَّعَياه لأنْفُسِهما، يُحَققُ هذا أَنَّ حقَّ الإِنسانِ لا يَزُولُ إِلَّا ببَيِّنَةٍ أو إقْرارِه (٦)، ورُجوعُهما ليس بشَهادةٍ، ولهذا لا يَفْتَقِرُ إلى لفظِ الشَّهادةِ، ولا هو إقْرارٌ من صاحبِ الحَقِّ. وفارَقَ ما إذا تبيَّنَ أنَّهما كانا كافِرَيْنِ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا أنَّه لم يُوجَدْ شرطُ الحُكْمِ، وهو شَهادةُ العُدولِ، وفى مسألتِنا لم يتبيَّنْ ذلك؛ لِجَوازِ (٧) أن يكونا عَدْلَين صادِقَينِ فى شهادتِهما، وإنَّما كذَبا فى رُجوعِهما، ويُفارِقُ العُقوباتِ، حيثُ لا تُسْتَوْفَى (٨)؛ لأنَّها (٩) تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ. الحالَ الثالث، أن يَرْجِعا بعدَ الاسْتِيفاء؛ فإنَّه لا يَبْطُلُ الحكمُ، ولا يَلْزَمُ المشْهودَ له شىءٌ، سَواءٌ كان المشْهودُ به مالًا أو عُقوبةً؛ لأَنَّ الحُكمَ قد تمَّ باسْتِيفاءِ المحْكومِ به، ووُصولِ الحقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، ويَرْجِعُ به على الشَّاهِدَيْنِ، ثم يُنْظَرُ؛ فإن كان المشْهودُ به إتْلافًا فى مِثْلِه القِصاصُ، كالقتلِ والجَرْحِ (١٠)، نظرْنا فى رُجوعِهما، فإن قالا: عَمَدْنا الشَّهادةَ عليه بالزُّورِ؛ ليُقْتَلَ أو يُقطَعَ. فعليهما القِصاصُ. وبهذا قال ابنُ شُبْرُمَةَ، وابنُ أبى ليلَى، والأوْزاعىُّ، والشَّافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا قَوَدَ عليهما؛ لأنَّهما لم يُباشِرا الإِتْلافَ، فأشْبَهَا حافِرَ البِئرِ، وناصِبَ السِّكِّينِ، إذا تَلِفَ بهما شىءٌ. ولَنا، أَنَّ عليًّا، رَضِىَ اللَّه عنه، شهِدَ عندَه رَجلان على رجلٍ بالسَّرِقةِ، فقطَعَه، ثم عادا، فقالا: أخْطَأْنا، ليس هذا هو السَّارِقَ. فقال علىٌّ: لو عَلِمْتُ أنَّكما تَعَمَّدْتُما، لقَطَعْتُكما (١١). ولا مُخالِفَ له فى الصَّحابةِ، فيكونُ إجماعًا، ولأنَّهما تسبَّبا إلى قَتْلِه أو قَطْعِه، بما يُفْضِى إليه غالبًا، فلَزِمَهما القِصاصُ، كالمُكْرَهِ، وفارَقَ الحَفْرَ ونَصْبَ السِّكِّينِ، فإنَّه لا يُفْضِى إلى القَتلِ غالبًا. وقد ذكرْنا هذه المسألةَ فى القِصاص (١٢). فأمَّا إِنْ قالا: عَمَدْنا الشَّهادةَ عليه، ولم (١٣) نعلمْ أنَّه يُقْتَلُ بهذا.


(٦) فى م: "إقرار".
(٧) فى أ، م: "بجواز".
(٨) فى الأصل: "يستويا".
(٩) فى م: "فإنها".
(١٠) فى أ: "والجراح".
(١١) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٤٥٦.
(١٢) انظر ما تقدم فى: ١١/ ٤٥٥، ٤٥٦.
(١٣) فى م: "ولا".

<<  <  ج: ص:  >  >>