للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَ القُرْعَة، ولم يُفَرِّقْ بين أَنَّ تكُونَ معهما بَيِّنَة أو لم تَكُنْ. ورُوِىَ هذا عن ابنِ عمرَ، وابنِ الزُّبَيْر (٦). وبه قال إسْحَاقُ، وأبو عُبَيْد. وهو رِوَايَةٌ عن مَالِك، وقديم قولِ الشَّافِعِىِّ. وذلك لما رَوَى ابنُ المُسَيَّب، أَنَّ رَجُلَيْن اخْتَصَمَا إلى رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فى أمْرٍ، وجَاءَ كُلُّ واحدٍ (٧) منهما بشُهُودٍ عُدُولٍ، على عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فأسْهَمَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بيْنَهُما. روَاه الشَّافِعِىِّ، فى "مُسْنَدِه" (٨). ولأنَّ البَيِّنتَيْن حُجَّتَانِ تَعَارَضَتَا، من غيْرِ تَرْجِيحٍ لإِحْدَاهما على الأُخرَى، فسَقَطَتَا، كالخَبَرَيْن. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تُسْتَعْمَلُ البيِّنَتان. وفى كَيْفِيَّة استعمالِهما رِوَايَتَان؛ إحْداهما، تُقْسَمُ العَيْنُ بينهما. وهو قَوْلُ الحارث العُكْلِىِّ، وقَتادةَ، وابنِ شُبْرُمَةَ، وحمَّادٍ، وأبى حنيفة، وقَوْلٌ للشَّافِعِىِّ؛ لما رَوَى أبو موسى، أَنَّ رَجُلَيْن اخْتَصَمَا إلى رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فى بَعِيرٍ، وأقامَ كُلُّ وَاحِدٍ منْهُما الْبَيِّنَةَ أنَّه له؛ فقَضَى رَسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- به بينهما نِصْفَيْن (٩). ولأنَّهما تَسَاوَيا فى دَعْوَاهُ، فيتَسَاوَيَان فى قِسْمَتِه. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تُقَدَّمُ إحْداهما بالقُرْعَةِ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. وله قَوْلٌ رابعٌ، يُوقَفُ الأمْرُ حتى يتبيَّن. وهو قَوْلُ أبى ثَوْر؛ لأنَّه اشْتَبَهَ الأَمْرُ، فوَجَبَ التَّوَقُّف (١٠)، كالحَاكِمِ إذا لم يَتَّضِحْ له الحُكْمُ فى قَضِيَّتِه. ولَنا، الخَبَران، وأنَّ تَعَارُضَ الحُجَّتَيْن لا يُوجِبُ التَّوقُّف (١٠)، كالخَبَرْين، بل إذا تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ، أسْقَطاهُما، ورَجَعْنَا إلى دَلِيلٍ غيرِهما. إذا ثبتَ هذا، فإنَّنا إذا قُلْنَا: إِنَّ البَيِّنَتَيْن تسْقُطانِ. أُقْرِعَ بينهما، فَمَنْ خَرَجَتْ له القُرْعَةُ (١١)، حلَفَ، وأَخَذَها، كما لو لم تكُنْ لهما بَيِّنَةٌ. وإِنْ قُلْنَا: يُعْمَلُ بالبَيِّنَتَيْن، ويُقْرَعُ بينهما، فمَنْ خَرَجَتْ له القُرْعَةُ، أَخَذَهَا من غيرِ يَمِينٍ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِىِّ (١٢)؛ لأنَّ البَيِّنَةَ تُغْنِى عن اليَمِينِ. وقال أبو الخَطَّاب: عليه اليَمِينُ مع البَيِّنَةِ،


(٦) أنظر: ما أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب فى البينتين إذا استوتا، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٦/ ٣٩٧.
(٧) سقط من: م.
(٨) وأخرجه البيهقى، فى: باب المتداعيين يتداعيان. . .، من كتاب الدعوى والبينات. السنن الكبرى ١٠/ ٢٥٩. ولم نجده فى ترتيب المسند.
(٩) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٢٨٥.
(١٠) فى أ: "التوقيف".
(١١) فى أ، م: "قرعته".
(١٢) فى أ: "للشافعى".

<<  <  ج: ص:  >  >>