للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما مُسْلمٌ، والآخَرُ كَافِرٌ، فادَّعَى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّه مات على دِينِه، وأنَّ المِيرَاثَ له دونَ أخِيهِ، فالمِيراثُ للكافِرِ؛ لأنَّ دَعْوَى المُسْلِمِ لا تَخْلُو من أَنْ يَدَّعِىَ كَوْنَ المَيِّتِ مُسْلِمًا أصْلِيًّا، فيجبَ كونُ أوْلَادِه مُسْلِمِين، ويكونَ أخُوهُ الكَافِرُ مُرْتَدًّا، وهذا خِلافُ الظَّاهِرِ، فإِنَّ المُرْتَدَّ لا يُقَرُّ على رِدَّتِه فى دَارِ الإِسْلَامِ. أو يقولَ: إِنَّ إبَاه كان كَافِرًا، فأسْلَمَ قبلَ مَوْتِه. فهو مُعْتَرِفٌ بأنَّ الأصْلَ ما قالَه أخُوهُ، مُدَّعٍ زَوَالَه وانْتِقالَه، والأصْلُ بَقَاءُ ما كان عليه (٤) على ما كان، حتى يثْبُتَ زَوَالُه. وهذا معنى قَوْلِ الخِرَقِى: إِنَّ المسْلِمَ باعْتِرَافِه بأخُوَّةِ الكَافِرِ مُعْتَرِفٌ أن أبَاه كان كَافِرًا، مُدَّعٍ (٥) لإِسْلَامِه. وذكر ابن أبى موسى، عن أحمدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّهما فى الدَّعْوَى سَواءٌ، فالمِيرَاثُ بينهما نِصْفَيْن، كما لو تَنازَعَ اثْنان عَيْنًا فى أيْدِيهما. ويَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ المِيرَاثُ للمُسْلِمِ منهما. وهو قوْلُ أبى حنِيفةَ؛ لأنَّ الدَّارَ دارُ الإِسلامِ، يُحْكَمُ بإسْلامِ لَقِيطِها، ويَثْبُتُ للميِّتِ (٦) فيها، إذا لم يُعْرَفْ [أصْلُ دِينِه] (٧)، حُكْمُ الإِسلامِ؛ فى الصَّلاةِ عليه، ودَفْنِه، وتَكْفِينِه من الوَقْفِ الموْقُوفِ على أكْفَانِ مَوْتَى المسلمين، ولأنَّ هذا حُكْمُه حُكْمُ (٨) المسلمين فى تَغْسِيلِه، والصَّلاةِ عليه، ودَفْنِه فى مَقَابِرِ المُسْلِمين، وسائِرِ أحْكَامِه، فكذلك فى مِيراثِه، ولأنَّ الإِسْلامَ يعْلُو ولا يُعْلَى عليه (٦)، ويجوزُ أَنْ يكونَ أخُوه الكافِرُ مُرْتدًّا، لم تَثْبُتْ عند الحَاكِمِ رِدَّتُه، ولم يَنْتَهِ إلى الإِمامِ خبرُه، وظُهورُ الإِسلامِ بِناءً على هذا أكثرُ من ظُهورِ الكُفْرِ بِناءً على كُفْرِ أبيهِ، ولهذا جَعَلَ الشَّرْعُ أحْكَامَه أحْكامَ المسلمين، فيما عَدَا المُتَنَازَعَ فيه. وقال القاضى: قياسُ المذهِبِ أنَّا نَنْظُرُ؛ فإنْ كانتِ التَّرِكَةُ فى أيْديهما، قُسِمَتْ بينهما نِصْفَيْن، وإِنْ لم تكُنْ فى أيْدِيهما، قُرِعَ (٩) بينهما، فمنْ قَرَعَ صَاحِبَه، حَلَفَ، واسْتَحَقَّ، كما قُلْنا فيما إذا تَدَاعَيا عَيْنًا. ويقْتَضِى كَلامُه، أنَّها إذا كانت فى يَد أحَدِهما، فهى له مع يَمِينِه. وهذا لا يَصْلُحُ (١٠)؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يعْتَرِفُ أَنَّ هذه التّركَةَ تَركِةُ هذا المَيِّتِ، وأنَّه إنّما


(٤) سقط من: أ، ب، م.
(٥) فى م: "مدعيا".
(٦) سقط من: أ.
(٧) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٨) فى م زيادة: "الموتى".
(٩) فى م: "أقرع".
(١٠) فى أ: "يصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>