للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْرَفْ أصْلُ دِينِه، فهما مُتَعَارِضَتَان. وإِنْ عُرِفَ أصْلُ دِينِه، نظَرْنا فى لَفْظِ الشَّهَادَة؛ فإنْ شَهِدَت كُلُّ وَاحِدَةٍ منهما أنَّه كان آخِرُ كَلامِه التَّلفُّظَ بما شَهِدَتْ به، فهما مُتَعَارِضَتَان، وإِنْ شَهدَتْ إحدَاهما أنَّه مات على دِينِ الإِسلامِ، وشَهِدَتِ الأُخْرَى أنَّه مات على دينِ الكُفْرِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَهُّ مَنْ يَدَّعِى انْتِقَالَه عن دِينِه؛ لأنَّ الْمُبقِيةَ له على أصْلِ دِينِه، ثبتَت شهادَتُها على الأَصْلِ الذى تعْرفُه؛ لأنَّهما إذا عَرَفا أصْلَ دِينِه ولم يَعْرِفا انْتِقَالَه عنه، جازَ لهما أن يَشْهَدَا أنَّه ماتَ على دِينِه الذى عَرفَاه، والبَيِّنةُ الأُخْرَى معها عِلْمٌ لم تَعْلَمْه الأُولَى، فُقدِّمتْ عليها، كما لو شَهدَا (٤) بأنَّ هذا العَبْدَ كان مِلْكًا لفُلانٍ إلى أَنْ ماتَ، وشَهِدَ آخَرِان أنَّه أعْتَقَه أو بَاعَه قَبْلَ مَوْتِه، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ العِتْقِ والبَيْعِ. فأمَّا إِنْ قال شاهِدَان: نَعْرِفُه [قبل مَوْتِه قد] (٥) كان مُسْلِمًا. وقال شَاهِدَان: نعْرِفُه كان (٦) كَافِرًا. نَظَرْنَا فى تَاريخِهما؛ فإنْ كانَتَا مُؤَرَّخَتَيْن بتَاريِخَيْن مُخْتَلِفَيْن، عُمِلَ بالآخِرةِ منهما؛ لأنَّه ثبتَ أنَّه انْتَقَلَ عمَّا شَهِدَتْ به الأُولَى، إلى ما شَهدَتْ به الآخِرَةُ. وإن كانَتا مُطْلَقَتَيْن، أو إحدَاهما مُطْلَقَةٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ المسلمِ؛ لأنَّ المسلِمَ لا يُقَرُّ على الكُفْرِ فى دارِ الإِسْلامِ، وقد يُسْلِمُ الكافِرُ، فيُقَرُّ. وإِنْ كانَتا مُؤَرَّخَتَيْن بتارِيخٍ واحِدٍ، نَظَرْتَ فى شَهادَتهما، فإنْ كانتْ على اللَّفْظِ، فهما مُتَعارِضَتان. وإِنْ لم تكُن على اللَّفْظِ، ولم يُعْرَف أصْلُ دِينِه، فهما مُتَعارِضَتان. وإِنْ عُرِفَ أصْلُ دِينِه، قُدِّمَتِ النَّاقلِةُ له عن أصْلِ دِينِه. وكُلُّ مَوْضِعٍ تَعارَضَتِ البَيِّنَتانِ، فقال الخِرَقِىُّ: تسْقُطُ البَيِّنَتَان، ويكُونان كمَنْ لا بَيِّنَةَ لهما. وقد ذَكَرْنا رِوَايَتَيْن أُخْرَيَيْن؛ إحْداهُما، يُقْرَعُ بينهما، فمَنْ خَرجَتْ له القُرْعَةُ، حَلَفَ، وأخذَ. والثَّانيةُ، تُقْسَمُ بينهما. ونحوَ هذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: تُقَدَّمُ بيِّنَةُ الإِسلامِ على كُلِّ حَالٍ. وقد مَضَى الكلامُ معه. وقولُ الْخِرَقِىِّ، فيما إذا قال شَاهِدان: نَعْرِفُه كان مسلمًا. وقال شَاهِدان: نَعْرِفُه كان كَافِرًا. محمولٌ على مَنْ لم يُعْرَفْ أصْلُ دِينِه، أو عُلِمَ (٧) أَنَّ (٨) أصْلَ دِينِه الكُفْرُ. أمَّا مَنْ كان مُسْلِمًا فى الأَصْلِ، فيَنْبَغِى أَنْ تُقدَّمَ بَيِّنَةُ


(٤) فى م: "شهد".
(٥) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٦) سقط من: أ، ب.
(٧) فى أ: "على".
(٨) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>