للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: لا رِقَّ لى عليكَ، ولا مِلْكَ لى عليكَ، وأنتَ للَّهِ. فقال القاضى: هو صريحٌ. نَصَّ عليهِ أحمدُ. وذكَرَ أبو الخَطَّابِ فيه رِوايَتَيْنِ. ولا خلافَ فى المذهبِ أنَّه يَعْتِقُ به إذا نَوَى، وممَّن قال: يَعْتِقُ بقولِهِ: أنتَ للَّهِ. إذا نَوَى؛ الشَّعْبِىُّ، والمُسَيَّبُ بنُ رافعٍ، وحَمَّادٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنِيفَةَ: لا يَعْتِقُ به؛ لأنَّ مُقْتَضاهُ، أنت عَبْدٌ للَّهِ (١٦)، أو مخلوقٌ للَّهِ وَحْدَه (١٧). وهذا لا يقْتضِى العِتْقَ. ولَنا، أنَّهُ يَحْتمِل: أنتَ (١٨) حُرٌّ للَّهِ، أو عَتيقٌ للَّهِ، أو عبدٌ للَّهِ وحدَهُ، لستَ بعبدٍ لى، ولا لأحَدٍ سِوَى اللَّهِ. فإذا نَوَى الحُرِّيَّةَ به، وقعَتْ، كسائِرِ الكِناياتِ. وما ذكَروهُ لا يصِحُّ؛ لأنَّ احتمالَهُ لما ذكَروهُ لا يَمْنَعُ احتمالَهُ لما ذِكَرْناه، بدَليلِ سائِرِ الكِناياتِ، فإنَّها تَحْتَمِلُ العِتْقَ وغيرَه، ولو لم تَحْتَمِلْ إِلَّا العِتْقَ لكانتْ صَرِيحَةً فيه، وما احْتَمَلَ (١٩) أمرَيْنِ، انْصرَفَ إلى أحدِهما بالنِّيَّةِ، وهذا شَأْنُ الكِناياتِ. وما ذكَرَهُ (٢٠) من الاحْتمالِ (٢١) يدُلُّ على أَنَّ هذا ليس بصَرِيحٍ، وإنَّما هو كِنايَةٌ. وقولُه: لا مِلْكَ لى عليكَ، ولا رِقَّ لى عليكَ، خبرٌ عن انْتِفاءِ مِلْكِهِ ورِقِّهِ، لم يَرِدْ به شَرْعٌ، ولا عُرْفُ اسْتِعمالٍ فى العِتْقِ، فلم يكُنْ صَرِيحًا فيه، كقولِهِ: ما أنتَ عَبْدِى، ولا مَمْلوكِى. وقولِه لامرأتِهِ: ما أَنْتِ امرَأتِى، ولا زَوْجَتِى.

فصل: وإن قال لأمَتِهِ: أنتِ طالِقٌ. ينوِى العِتْقَ به، ففيه رِوايَتانِ؛ إحْداهما، لا تَعْتِقُ به. وهو قولُ أبى حنيفَةَ؛ لأنَّ الطَّلاقَ لفْظٌ وُضِعَ لازالَةِ المِلْكِ عن المَنْفعَةِ، فلم يُزَلْ به المِلْكُ عن الرَّقَبَةِ (٢٢)، كفَسْخِ الإِجارةِ، ولأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لا يُسْتَدْرَكُ بالرَّجْعَةِ، فلا ينْحَلُّ بالطَّلاقِ، كسائِرِ الأمْلاكِ. والرِّوايَةُ الثانيةُ، هو كِنايةٌ تَعْتِقُ بِهِ الأمَةُ إذا [نَوَى العِتْق] (٢٣). وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الرِّقَّ أحدُ المِلْكَيْنِ على الآدَمِىِّ، فيزُولُ


(١٦) فى ب، م: "اللَّه".
(١٧) سقط من: أ، ب، م.
(١٨) فى ب، م: "أنه".
(١٩) فى م: "يحتمل".
(٢٠) فى أ، ب، م: "ذكروه".
(٢١) فى الأصل: "الاحتمالات".
(٢٢) فى م: "الرقة".
(٢٣) فى الأصل، أ: "نواه".

<<  <  ج: ص:  >  >>