للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوُضوءَ غيرُ جائزٍ بماء الورد، وماء الشَّجَر، وماء العُصْفُرِ، ولا تجوزُ الطهارةُ إلَّا بماءٍ مُطْلَقٍ، يَقعُ عليه اسْمُ الماء، ولأنَّ الطهارَةَ إنَّما تجوزُ بالماء، وهذا لا يَقَعُ عليه اسْمُ الماءِ بإطْلاقِه.

الضرب الثاني؛ ما خالَطَهُ طاهرٌ يُمْكِن التَحَرُّزُ منه، فغَيَّر إحْدَى صِفَاتِه، طَعْمِه، أوْ لَوْنِهِ، أو رِيحِهِ، كماء الباقِلَّا، وماء الحِمَّصِ، وماء الزَّعْفَران.

واخْتلف أهلُ العِلْم في الوُضوءِ به، واخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن إمامِنا، رحمه اللَّه، في ذلك؛ فرُوِىَ عنه: لَا تحصلُ الطَّهارةُ به. وهو قَوْلُ مالك، والشافعىّ، وإسحاق. وقال القاضي أبو يَعْلَى: وهى أصَحُّ، وهى المنْصُورةُ عند أصحابنا في الخلاف.

ونقَل عن أحمد جماعةٌ من أصحابِه، منهم أبو الحارث (٤٢)، والمَيْمُونِىّ (٤٣)، وإسحاق بن منصور (٤٤)، جوازَ الوُضوءِ به. وهذا مذهبُ أبى حنيفة وأصحابِه؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (٤٥)، وهذا عامٌّ في كلِّ ماءٍ، لأنه نَكِرَةٌ في سِيَاقِ النَّفْىِ، والنكرةُ في سِياقِ النَّفْى تَعُمُّ، فلا يجوز التَّيَمُّمُ مع وُجودِهِ، وأيضًا قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبى ذَرٍّ: "التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ (٤٦) "، وهذا واجِدٌ للماءِ، ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابَه كانوا يُسافِرون، وغالِبُ أسْقِيَتِهم


(٤٢) أبو الحارث أحمد بن محمد الصائغ، روى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، بضعة عشر جزءا، وجوَّد الرواية عنه. طبقات الحنابلة ١/ ٧٤، ٧٥.
(٤٣) أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميمونى الرقى، كان إماما جليل القدر، صحب الإمام أحمد من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين، وعنده عنه مسائل في ستة عشر جزءا، وتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين. طبقات الحنابلة ١/ ٢١٢ - ٢١٦، العبر ٢/ ٥٣.
(٤٤) أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي، العالم الفقيه، وهو الذي دوَّن عن الإمام أحمد المسائل في الفقه، وتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين، بنيسابور. طبقات الحنابلة ١/ ١١٣ - ١١٥، العبر ٢/ ١.
(٤٥) سورة المائدة ٦.
(٤٦) حديث أبى ذر أخرجه السيوطي في الجامع الكبير ٢/ ٦٤١ بلفظ قريب مما هنا في قصة طويلة، عن عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وفيه: "الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ كَافٍ ما لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>