للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو اخْتِيارُ المُزنِىِّ؛ لأنَّ عِتْقَها مُعَلَّقٌ بصِفَةٍ، تَثْبُتُ بقَوْلِ المُعْتِقِ وحدَه، فأشْبَهَتْ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُها بدُخولِ الدارِ. قال جابرُ بن زيدٍ: إنَّما هو بمَنْزِلةِ الحائطِ تَصَدَّقْتَ به إذا مِتَّ، فإِنَّ ثمَرَتَه لكَ ما عِشْتَ. ولأنَّ التَّدْبِيرَ (٣) وَصِيَّةٌ، ووَلَدُ المُوصَى بها قبلَ الموتِ لسَيِّدِها. ولَنا، ما رُوِىَ عن عمرَ، وابنِ عمرَ، وجابرٍ (٤)، أنَّهم قالوا: ولَدُ المُدَبَّرةِ بمَنْزِلَتِها. ولم نَعْرِفْ لهم فى الصحابةِ مُخالِفًا، فكان إجْماعًا، ولأنَّ الأُمَّ اسْتَحَقَّتِ الحُرِّيَّةَ بمَوْتِ سَيِّدِها، فيَتْبَعُها ولَدُها، كأُمِّ الوَلَدِ، ويُفارقُ التَّعْلِيقَ بصِفَةٍ فى الحياةِ، والوَصِيَّةَ، من جهَةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ آكَدُ من كلِّ واحدٍ منهما؛ لأَنَّه اجْتَمَعَ فيه الأمْرانِ، وما وُجِدَ فيه سَبَبَان آكَدُ ممَّا وُجِدَ فيه أحَدُهما، وكذلك لا تَبْطُلُ بالمَوْتِ، ولا بالرُّجُوعِ عنه. فعلى هذا، إن بَطَلَ التَّدْبِيرُ فى الأُمِّ لمعنًى اخْتَصَّ بها؛ من بَيْعٍ، أو مَوْتٍ، أو رُجُوعٍ، لم يَبْطُلْ فى ولَدِها، ويَعْتِقُ بمَوْتِ سَيِّدِها، كما لو كانت أمُّه باقِيَةً على التَّدْبِيرِ، فإن لم يَتَّسِعِ الثُّلثُ لهما جميعًا، أُقْرِعَ بينهما، فأيُّهما وقَعَتِ القُرْعةُ عليه، عَتَقَ إن احْتَمَلَه الثُّلثُ، وإلَّا عَتَقَ منه بقَدْرِ الثُّلثِ. وإن فَضَلَ من الثُّلثِ بعَد عِتْقِه شىءٌ، كُمِّلَ من الآخَرِ؛ كما لو دَبَّرَ عَبْدًا وأمَةً معًا. وأمَّا الولَدُ الذى وُجدَ قبلَ التَّدْبِيرِ، فلا نَعْلَمُ خِلافًا فى أنَّه لا يَتْبَعُها؛ لأَنَّه لا يَتْبَعْ (٥) فى العِتْقِ المُنْجَزِ، ولا فى حُكْمِ الاسْتِيلادِ، ولا فى الكِتابةِ، فلَأنْ لا يَتْبَعَ فى التَّدْبِيرِ أَوْلَى. قال الْمَيْمُونِىُّ: قلتُ لأحمدَ: ما كان من ولَدِ المُدَبَّرةِ قبلَ أن تُدَبَّرَ، يَتْبَعُها؟ قال: لا يَتْبَعُها من ولَدِها ماكان قبلَ ذلك، إنَّما يَتْبَعُها ما كان بعدَ ما دُبِّرَتْ. وقال حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ عَمِّى يقولُ، فى الرَّجُلِ يُدَبِّرُ الجارِيةَ ولها ولَدٌ، قال: ولَدُها معها. وجَعَلَ أبو الخَطَّابِ هذه رِوَايةً، فى أَنَّ ولَدَها قبلَ التَّدْبِيرِ يَتْبَعُها. وهذا بعيدٌ، والظَّاهرُ أَنَّ أحمدَ لم يُرِدْ أَنَّ ولَدَها قبلَ التَّدْبِيرِ معَها، وإنَّما أراد ولَدَها بعدَ التَّدْبِيرِ، على ما صَرَّحَ به فى غيرِ هذه الرِّوايةِ؛ فإِنَّ ولَدَها المَوْجُودَ لا يَتْبَعُها فى عِتْقٍ، ولا كِتابةٍ، ولا اسْتيلادٍ، ولا بَيْعٍ، ولا هِبةٍ، ولا رَهْنٍ، ولا شىءٍ من الأسْبابِ النَّاقلةِ للمِلْكِ فى الرَّقَبةِ.


(٣) سقط من: الأصل.
(٤) أخرجه عن جابر وابن عمر، البيهقى، فى: باب ما جاء فى ولد المدبرة. . .، من كتاب المدبر. السنن الكبرى ١٠/ ٣١٥. وعن ابن عمر، عبد الرزاق، فى: باب أولاد المدبرة، من كتاب المدبر. المصنف ٩/ ١٤٤.
(٥) فى ب: "يعتق".

<<  <  ج: ص:  >  >>