للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعىِّ، إِلَّا أَنَّ القاضىَ قال: أطْلَقَ أحمدُ والْخِرَقِىُّ هذا القولَ، وهو مُقَيَّدٌ بما لا ضَرَرَ فى قَبْضِه قبلَ مَحَلِّه، كالذى لا يَفْسُدُ، ولا يَخْتَلِفُ قديمُه وحَدِيثُه، ولا يحْتاجُ إلى مُؤْنِةٍ فى حِفْظِه، ولا يَدْفَعُه فى حالِ خَوْفٍ يَخافُ ذهابَه، فإنِ اخْتَلَّ أحَدُ هذه الأمورِ، لم يَلْزَمْ قَبْضُه، مثل أن يكونَ مِمَّا يَفْسُدُ؛ كالعِنَبِ، والرُّطَبِ، والبِطِّيخِ، أو يُخافُ تَلَفُه، كالحيوانِ، فإنَّه ربما تلِفَ قبلَ المَحَلِّ، ففاتَه مَقْصُودُه. وإن كان ممَّا يكونُ حَدِيثُه خيرًا مِن قَديمِه، لم يَلْزَمْهُ أيضًا أخْذُه؛ لأَنَّه يَنْقُصُ إلى حينِ الحُلُولِ، وإِنْ كان ممَّا يحْتاجُ إلى مَخْزَنٍ، كالطَّعامِ والقُطنِ، لم يَلْزَمْه أيضًا؛ لأَنَّه يحْتاجُ فى إبْقائِه إلى وَقْتِ المَحَلِّ إلى مُؤْنَةٍ، فيتَضَرَّرُ بها، ولو كان غيرَ هذا، إِلَّا أَنَّ البَلَدَ مَخُوفٌ، يَخافُ نَهْبَه، لم يَلْزَمْه أخْذُه؛ لأنَّ فى أخْذِه ضَرَرًا لم يَرْضَ بالْتِزامِه، وكذلك لو سَلَّمَهُ إليه (٣) فى طَرِيقٍ مَخُوفٍ، أو مَوْضِعِ يتَضَرَّرُ بقَبْضِه فيه، لم يَلْزَمْه قَبْضُه، ولم يَعْتِق المُكاتَبُ ببَذْلِه. قال القاضى: والمذهبُ عندى أَنَّ فيه (٤) تَفْصِيلًا، على حَسَبِ ما ذكَرْناه فى السَّلَمِ. ولأنَّه لا يَلْزَمُ الإِنْسانَ الْتِزامُ ضَرَرٍ لم يَقْتَضِه العَقْدُ، ولو رَضِىَ بالْتِزامِه. وأمَّا ما لا ضَرَرَ فى قَبْضِه، فإذا عَجَّلَه، لَزِمَ السَّيِّدَ أخْذُه. وذكر أبو بكرٍ، أَنَّه يَلْزَمُه قبولُه مِن غيرِ تَفْصِيلٍ، اعْتِمادًا على إطْلاقِ أحمدَ القولَ فى ذلك، وهو ظاهِرُ إطْلاقِ الْخِرَقِىِّ؛ لما رَوَى الأَثْرَمُ، بإسْنادِه عن أبى بكرٍ بن حَزمٍ، أن رَجُلًا أتى عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّى كاتَبْتُ عَلَى كذا وكذا، وإنِّى أيْسَرْتُ بالمالِ، فأتَيْتُه به، فزَعَمَ أَنَّه لا يَأْخُذُها إِلَّا نُجُومًا. فقال عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: يا يَرْفَأُ، خُذْ هذا المالَ، فاجْعَلْه فى بيتِ المالِ، وأَدِّ إليه نُجُومًا فى كلِّ عامٍ، وقد عَتَقَ هذا. فلما رأى ذلك سَيِّدُه، أخَذَ المالَ (٥). وعن عثمانَ بنَحْوِ هذا (٥). ورَوَاه سعيدُ بن منصورٍ، فى "سُنَنِه"، عن عمرَ وعثمانَ جميعًا، قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عن ابنِ عَوْنٍ (٦)، عن محمدِ بن سِيرِينَ، أَنَّ عثمانَ قَضَى بذلك. ولأنَّ الأجَلَ حَقٌّ لمِن عليه الدَّيْنُ، فإذا قَدّمَه، فقد رَضِىَ بإِسْقاطِ حَقِّه، فسَقَطَ، كسائرِ الحُقُوقِ. فإنْ


(٣) سقط من: الأصل.
(٤) فى م: "فى قبضه".
(٥) وأخرجه البيهقى، فى: باب تعجيل الكتابة، من كتاب المكاتب. السنن الكبرى ١٠/ ٣٣٥.
(٦) فى ب، م: "عرف".

<<  <  ج: ص:  >  >>