للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدَقةِ بشىءٍ، صَحَّ قَبْضُ المُتَصَدَّقِ عليه له، كذلك ههُنا. والثانى، لا يجوزُ. وهذا اخْتِيارُ أبِى بكرٍ، ومذهبُ أبى حنيفةَ، وأحدُ قَوْلَى الشافعىِّ، واختيارُ المُزنِىِّ؛ لأنَّ ما فى يَدِ المكاتَبِ مِلْكٌ له، فلا يَنْفُذُ إذْنُ غيرِه فيه، وإنَّما حَقُّ سَيِّدِه فى ذِمَّتِه. والأَوَّلُ أصَحُّ، إِنْ شاءَ اللَّه تعالى؛ لأنَّ الحَقَّ لهم، لا يَخْرُجُ عنهم، فإذا اتّفَقُوا على شىءٍ، فلا وَجْهَ للمَنْعِ. وقولُهم: إنَّه مِلْكٌ للمُكاتَبِ. تَعْلِيقٌ على العِلّةِ ضِدَّ ما تَقْتَضِيه؛ لأنَّ كَوْنَه مِلْكًا له يَقْتَضِى جَوازَ تَصَرُّفِه فيه، على حَسبِ اخْتِيارِه، وإنَّما المَنْعُ لتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِه به، فإذا أذِنَ، زال المانِعُ، فصَحَّ التَّقْبِيضُ، لوُجُودِ مُقْتَضِيه، وخُلُوِّه من المانعِ، ثم يَبْطُلُ بما (٣١) ذكَرْناهُ (٣٢) من المسائلِ. فعلى هذا الوَجْهِ، إذا دَفَعَ إلى أحَدِهما مالَ الكِتابةِ بإذْنِ صاحِبه، عَتَقَ نَصِيبُه مِن المُكاتَبِ؛ لأَنَّه اسْتَوْفَى حَقَّه، ويَسْرِى العِتْقُ إلى باقِيه، وعليه قِيمةُ حِصَّةِ شَرِيكِه؛ لأنَّ عِتْقَه بسَبَبِه. هذا قَوْلُ الْخِرَقِىِّ. ويَضْمَنُه فى الحالِ بنِصْفِ قِيمَتِه مُكاتَبًا، مُبْقًى (٣٣) على ما بَقِىَ عليه مِن كِتابَتِه، ووَلاؤُه كلُّه له، وما فى يَدِه من المالِ للَّذى (٣٤) لم يَقْبِضْ منه بقَدْرِ ما قَبَضَه صاحِبُه، والباقِى بين العبدِ وبينَ سَيِّدِه الذى عَتَقَ عليه؛ لأنَّ نِصْفَه عَتَقَ بالكتابةِ، ونِصْفَه بالسِّرايَةِ، فحِصَّةُ ما عَتَقَ بالكِتابةِ للعبدِ، وحِصَّةُ ما عَتَقَ بالسِّرايةِ لسَيِّدِه. وعلى ما اخْتَرْناه، يكونُ الباقى كلّه للعبدِ؛ لأنَّ الكَسْبَ كان مِلْكًا له، فلا يَزُولُ مِلْكُه عنه بعِتْقِه، كما لو عَتَقَ بالأدَاءِ. وقال أبو بكرٍ، والقاضى: لا يَسْرِى العِتْقُ فى الحالِ، وإنَّما يَسْرِى عندَ عَجْزِه. فعلى قولِهما، يكون باقِيًا على الكِتابةِ، فإن أدَّى إلى الآخَرِ، عَتَقَ عليهما، ووَلاؤُه لهما، وما تَبَقَّى (٣٥) فى يَده مِن كَسْبِه فهو له. وإن عَجَزَ (٣٦)، وفُسِخَتْ كِتابَتُه، قُوِّمَ على الذى أدَّى إليه، وكان وَلاءُ جَمِيعِه له، وتَنْفَسِخُ الكِتابة فى نِصْفِه. وإن مات، فقد مات ونِصْفُه حُرٌّ، ونِصْفُه رَقِيقٌ، ولسَيِّدِه الذى لم يعْتِقْ نَصِيبَه أن يَأْخُذَ ممَّا خَلَّفَه مثلَ ما أخَذَه شَرِيكُه من مالِ الكِتابةِ، وله نِصْفُ ما تَبَقَّى (٣٥)، والباقى لوَرَثةِ العبدِ،


(٣١) فى ب، م: "لما".
(٣٢) فى أ، ب، م: "ذكرنا".
(٣٣) فى ب: "يبقى".
(٣٤) فى أ، ب، م: "الذى".
(٣٥) فى ب، م: "بقى".
(٣٦) فى الأصل: "عجزه".

<<  <  ج: ص:  >  >>