للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَتِه، فجَنَى جِنايةً، تعَلَّقَ أرْشُها برَقَبَتِه، وللمُكاتَبِ فِداؤُه بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، كما يَفْدِى غيرَه مِن عَبِيدِه. وقال القاضى، فى "المُجَرَّدِ": ليس له فِداؤُه بغيرِ إذْنِه. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّه إتْلافٌ لمالِه، فإِنَّ ذَوِى رَحِمه ليسوا بمالٍ له، ولا يتَصَرَّفُ فيهم، فلم يَجُزْ له [إخْراجُ مالِه] (٣٤) فى مُقابَلَتِهِم، ولا (٣٥) شِراءُهم، كالتّبَرُّعِ، ويُفارِقُ العَبْد الأجْنَبِىَّ؛ فإنَّه يَنْتَفِعُ به، وله (٣٦) صَرْفُه فى كِتابَتِه، فكان له (٣٧) فداؤُه وشِراؤُه، كسائرِ الأمْوالِ. ولكنْ (٣٨) إن كان لهذا الجانى كَسْبٌ، فُدىَ منه، وإن لم يكُنْ له كَسْبٌ، بِيعَ فى الجِنايةِ، إن اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتَه، وإن لم تَسْتَغْرِقْها، بِيعَ بعضُه فيها، وما بَقِىَ للمُكاتَبِ. ولَنا، أنَّه عَبْدٌ له جَنَى، فمَلَكَ فِداءَه، كسائرِ عَبِيدِه، ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا يَمْلِكُ شِراءَه. وقولُهم: لا يتَصَرَّفُ فيه. قُلْنا: إِلَّا أَنَّ كَسْبَه له، وإن عَجزَ (٣٩) المُكاتبُ، صار رَقِيقًا معه لسَيِّدِه، وإن أدَّى المُكاتبُ، لم يتَضَرَّر السَّيِّدُ بعِتْقِهِم، وانْتَفَعَ به المُكاتَبُ، وإذا دار أمْرُه بين نَفْعِ وانْتِفاءِ ضَرَرٍ، وجَبَ أن لا يُمْنَعَ منه، وفارَقَ التَّبَرُّعَ، فإنَّه يُفَوِّتُ المالَ على السَّيِّدِ. فإن قيل: بل فيه مَضَرّةٌ، وهو مَنْعُه من أداءِ الكِتابةِ، فإنَّه إذا صَرَفَ المالَ فيه، ولم يَقْدِرْ على صَرْفِه فى الكِتابةِ، عَجَزَ عنها. قُلْنا: هذا الضَّرَرُ لا يُمْنَعُ المُكاتَبُ منه؛ بدليلِ ما لو تَرَكَ الكَسْبَ مع إمْكانِه، أو امْتَنَعَ من الأداءِ مع قُدْرَتِه عليه، فإنَّه لا يُمْنَعُ منه، ولا يُجْبَرُ على كَسْب ولا أدَاءٍ، فكذلك لا يُمْنَعُ ممَّا هو فى مَعْناه، ولا ممَّا يُفْضِى إليه، ولأنَّ غايةَ الضَّرَرِ فى هذا، المَنْعُ من (٤٠) إتْمامِ الكِتابةِ، وليس إتْمامُها واجِبًا عليه، فأشْبَهَ تَرْكَ الكَسْبِ، بل هذا أوْلَى لوَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أَنَّ هذا فيه نَفْعٌ للسَّيِّدِ؛ لمَصِيرِهم عَبِيدًا له. والثانى، أَنَّ فيه نَفْعًا للمُكاتَبِ، بإعتاقِ ولَدِه، وذَوِى رَحِمِه، [ونَفْعًا لهم] (٤١) بالإِعْتاقِ، على تَقْديرِ الأداءِ، فإذا (٤٠) لم يُمْنَعْ ممَّا (٤٢) يُساوِيه فى المَضَرَّةِ مِن غيرِ نَفْعٍ فيه،


(٣٤) سقط من: الأصل.
(٣٥) فى م: "ولأن".
(٣٦) فى ب: "ولو".
(٣٧) سقط من: م.
(٣٨) سقطت الواو من: ب، م.
(٣٩) فى ب، م: "عجزه".
(٤٠) سقط من: الأصل.
(٤١) فى م: "ونفعهم".
(٤٢) فى ب: "ما".

<<  <  ج: ص:  >  >>