للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعارِضُه، ولا أعلمُ فى شىءٍ من الأخْبارِ دليلًا على عَجْزِها. وتأوَّلَه (٨) الشَّافِعِىُّ على أنَّها كانتْ قد عَجَزَت، وكان بَيْعُها فَسْخًا لكتابَتِها. وهذا التَّأْويلُ بعيدٌ يحْتاجُ إلى دليلٍ فى غايَةِ القُوَّةِ، وليس فى الخبرِ ما يدُلُّ عليه، بل قَوْلُها: أَعِينِينِى على كِتابَتِى. دَلالَةٌ على بَقائِها على الكتابةِ، ولأنَّها أَخْبَرَتْها أَنَّ نُجومَها فى كُلِّ عامٍ أُوقِيَّةٌ، فالعَجْزُ إنَّما يكونُ بمُضِىِّ عامَيْن عندَ مَنْ لا يَرَى العَجْزَ إِلَّا بحُلولِ نَجْمَيْن، أو بِمُضِىِّ عامٍ عندَ الآخَرِين، والظَّاهِرُ أَنَّ شِراءَ عائشةَ لها كان فى أوَّلِ كِتابَتِها، ولا يصِحُّ قِياسُه على أُمِّ الوَلَدِ؛ لأنَّ سَبَبَ حُرِّيَّتِها مُسْتَقِرٌ على وَجْهٍ لا يُمْكِنُ فَسْخُه (٩) بحالٍ، فأشْبَهَ الوَقْفَ، والمُكاتَبُ يجوزُ ردُّه إلى الرِّقِّ، وفَسْخُ كتابتِه إذا عَجَزَ، فافْتَرَقا. قال ابنُ أبى موسى: وهل للسَّيِّدِ أَنْ يبيعَ المُكاتَبَ بأكثرَ ممَّا كاتَبَ (١٠) عليه؟ على رِوايَتَيْن. ولأَنَّ المُكاتبَ عبدٌ مملوكٌ لسيِّدِه، لم (١١) يتحتّمْ عِتْقُه، فجازَ بَيْعُه، كالمُعلَّقِ عِتْقُه بصِفَةٍ؛ والدليلُ على أنَّه مَمْلوكٌ، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِىَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" (١٢). وأنَّ مَوْلاتَه [لا يَلْزَمُها] (١٣) أَنْ تَحْتجِبَ منه، بدليلِ قولِه عليه السلام: "إِذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، فَمَلَكَ مَا يُؤَدِّى، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ" (١٢). فيدلُّ على أنّها لا تحتجبُ قبلَ ذلك. وقد رَوَيْنا فى هذا عن نَبْهانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَة، أنَّه قال: قالتْ لى أُمُّ سَلَمَةَ: يا نَبْهانُ، هل عِنْدَك ما تُؤَدِّى؟ قلتُ: نعمْ. فأرْخَتِ (١٤) الحِجابَ بينِى وبينَها، ورَوَتْ هذا الحديثَ. قال: فقلتُ: لا واللَّه، ما عِنْدِى ما أُؤَدِّى، ولا أنا بِمُؤَدٍّ (١٥). وإنَّما سَقَطَ الحِجابُ عنها منه؛ لكَوْنِه مَمْلوكَها، ولأنَّه يصِحُّ عِتْقُه، ولا يصِحُّ عِتْقُ مَنْ ليس بمَمْلوكٍ، ويَرْجِعُ عندَ العَجْزِ إلى


(٨) فى م زيادة: "له".
(٩) فى الأصل: "فسخها".
(١٠) سقط من: م.
(١١) فى ب: "فلم".
(١٢) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ١٢٥.
(١٣) فى ب: "لزمها".
(١٤) فى الأصل، م: "فأخرجت".
(١٥) أخرجه البيهقى، فى: باب الحديث الذى روى فى الاحتجاب عن المكاتب، من كتاب المكاتب. السنن الكبرى ١٠/ ٣٢٧. وعبد الرزاق، فى: باب عجز المكاتب وغير ذلك، من كتاب المكاتب. المصنف ٨/ ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>