للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدليلِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن بَيْعِ الوَلاءِ وهِبَتِه، وقال: "إنّما الولاءُ لِمَنْ أعتقَ". ولأنَّه لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ، فلم يصِحَّ اشْتِراطُه لغيرِ صاحِبه، كالقَرابةِ، ولأنَّه حكمُ العِتْقِ، فلم يصِحَّ اشْتِراطُه لغيرِ المُعْتِقِ، كما لا يَصِحُّ اشْتِراطُ حُكمِ النِّكاحِ لغيرِ النَّاكِحِ، ولا حُكْمِ البَيْعِ لغيرِ العاقِدِ (٤). وسَواءٌ (٥) شَرَطَ (٦) أَنْ يُوَالِىَ مَن شاءَ، أو شرطَهُ لبائِعِه، أو لرجلٍ آخَرَ بعَيْنِه. ولا تفْسُدُ الكتابةُ بهذا الشَّرْطِ. نَصَّ عليه أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقال الشافِعِىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: يفْسُدُ به، كما لو شَرَطَ عِوَضًا مَجْهولًا. ويتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك؛ بِناءً على الشُّروطِ الفاسِدَةِ فى البَيْعِ. ولَنا، حديثُ بَرِيرَةَ؛ فإِنَّ أهْلَها شَرَطُوا لهم الوَلاءَ، فأمَرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بشِرَائِها مع هذا الشَّرْطِ، وقال: "إنَّما الْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". ويُفارِقُ جَهالةَ العِوَضِ؛ فإنَّه رُكْنُ العَقْدِ، لا يُمْكِنُ تصْحِيحُ العَقْدِ بدُونِه، ورُبَّما أفْضَتْ جَهالَتُه إلى التَّنازُعِ (٧) والاخْتِلافِ، وهذا شَرْطٌ (٨) زائِدٌ، فإذا حَذَفْناهُ بَقِىَ العَقْدُ صَحِيحًا بحالِه. فإنْ قيلَ: المُرادُ بقَولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشْتَرِطِى لَهُمُ الْوَلَاءَ". أى عليهم؛ لأَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَأْمُرُ بالشَّرطِ الفاسِدِ، واللَّامُ تُسْتَعْمَلُ بمعنَى "على"، كقولِ اللَّه تعالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (٩). [أى فَعَلَيْها] (١٠). قُلْنا: هذا لا يَصِحُّ؛ لوُجوهٍ ثلاثةٍ؛ أحَدُاها، أنَّه يُخالِفُ وَضْعَ اللَّفْظِ والاسْتِعمالَ. والثانِى، أَنَّ أهْلَ بَرِيرَةَ أَبَوْا هذا الشَّرْطَ، فكيفَ يَأمُرُها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بشرطٍ لا بَقْبَلُونَه! والثالِثُ، أَنَّ ثُبوتَ الوَلاءِ لها لا يَحْتاجُ إلى شَرْطٍ؛ لأَنَّه مُقْتَضَى العِتْقِ وحُكْمُه. والرَّابِعُ، أَنَّ فى بعضِ الألْفاظِ: "لَا يَمْنَعُكِ (١١) هذَا الشَّرْطُ مِنْهَا، ابْتَاعِى، وأعْتِقِى". وإنَّما أمَرَها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشَّرْطِ، تَعْرِيفًا لنا أَنَّ وُجودَ هذا الشَّرْطِ كعَدَمِه، وأنَّه لا يَنْقُلُ الوَلاءَ عن المُعْتِقِ.


(٤) فى الأصل، ب، م: "العاقل".
(٥) فى الأصل زيادة: "إن".
(٦) فى أ، ب: "اشترط".
(٧) فى الأصل: "النزاع".
(٨) فى م: "الشرط".
(٩) سورة الإِسراء ٧.
(١٠) سقط من: الأصل، أ، ب.
(١١) فى م: "يمنعنك".

<<  <  ج: ص:  >  >>