للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأضافَ مالَ الابنِ إلى أبِيه، بلامِ المِلْكِ والاسْتِحْقاقِ، فيَدُلُّ (١٧) على أنَّه مِلْكُه. قُلْنا: لى يُرِدِ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حقيقةَ المِلْكِ، بدليلِ أنَّه أضافَ إليه الولدَ، وليس بمَمْلُوكٍ، وأضافَ إليه مالَهُ فى حالَةِ إضافَتِه إلى الولدِ، ولا يكونُ الشىءُ مَمْلوكًا لمالِكَيْنِ حَقِيقَةً فى حالٍ واحِدَةٍ، وقد يثْبُتُ (١٨) المِلْكُ لِلْوَلدِ (١٩) حقيقَةً، بدليلِ حِلِّ وَطْءِ إمائِه، والتَّصَرُّفِ فى مالِه، وصِحَّةِ بَيْعِه وهِبَتِه وعِتْقِه، ولأنَّ الولدَ لو ماتَ لم يَرِثْ منه أبُوه إِلَّا ما قُدِّرَ له، ولو كان مالَه، لاخْتَصَّ به، ولو ماتَ الأَبُ، لم يَرِثْ ورَثتُهُ مالَ ابْنِه، ولا يجبُ على الأبِ حَجٌّ ولا زَكاةٌ ولا جهادٌ بيَسارِ ابنِه، فعُلِمَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما أرادَ التَّجَوُّزَ، بتَشْبيهِه بمالِه فى بعضِ أحْكامِه (٢٠). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا حَدَّ على الأبِ؛ للشُّبْهَةِ، لأَنَّه إذا لم يَثْبُتْ حقيقةُ المِلْكِ، فلا أقَلَّ من أَنْ يكونَ شُّبْهَةً تَدْرَأُ الحَدَّ، فإِنَّ الحُدودَ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ولكن يُعَزَّرُ، لأَنَّه وَطِئَ جارَيةً لا يَمْلِكُها، وَطْئًا مُحَرَّمًا، فكانَ عليه التَّعْزِيرُ، كوَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكةِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا تَعْزِيرَ (٢١) عليه؛ لأنَّ مالَ ولدِه كمالِه (٢٢). ولا يصِحُّ؛ لأنَّ مالَهُ مباحٌ له، غيرُ مَلُومٍ عليه، وهذا الوَطْءُ هو عادٍ فيه، مَلُومٌ عليه. وإِنْ عَلِقَتْ منه، فالولدُ حُرٌّ؛ لأَنَّه مِن وَطْءٍ دُرِئَ (٢٣) فيه الحَدُّ لِشُبْهَةِ المِلْكِ، فكان حُرًّا، كولدِ الجارَيِة المُشْترَكَةِ، ولا تَلْزَمُه قِيمَتُه، لأَنَّ الجارِيَةَ تصِيرُ مِلْكًا له بالوَطْءِ، فيَحْصُل عُلوقُها بالولدِ وهى مِلْكٌ له، وتَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له، تَعْتِقُ بمَوْتِه، وتنْتَقِلُ إلى مِلْكِه، فيَحِلُّ له وَطْؤُها بعدَ ذلك. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ، فى أحَدِ قَوْلَيْه، وقال فى الآخَرِ: لا تَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له، ولا يَمْلِكُها؛ لأَنَّه اسْتَوْلَدَها فى غيرِ مِلْكِه، فأشْبَهَ الأجْنَبِىَّ، ولأنَّ ثُبوتَ أحْكامِ الاسْتِيلادِ، إنَّما كان بالإِجْماعِ فيما إذا اسْتَوْلَدَ مَمْلوكَتَه، وهذه ليستْ مَمْلوكَةً له، ولا فى مَعْنَى مَسْلوكَتِه، فإنَّها مُحَرَّمَةٌ عليه، فوجَبَ أَنْ لا يثْبُتَ لها هذا الحكمُ، ولأَنَّ الأَصْلَ


(١٧) فى م: "فدل".
(١٨) فى أ، ب: "ثبت".
(١٩) فى الأصل، م: "لولده".
(٢٠) فى م: "الأحكام".
(٢١) فى ب، م: "يحزر".
(٢٢) فى الأصل، أ: "كولده".
(٢٣) فى ب، م: "ردىء".

<<  <  ج: ص:  >  >>